وقوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً ) يبصر فيه ، وقال في آية أخرى ( ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه )[ القصص : 73 ] يعني في النهار ، فهو في موضع الامتنان وتذكير النعم ؛ يستأدي بذلك شكر ما أنعم عليه .
وفيه أن الليل والنهار يجريان على التدبير والتقدير لأنهما لو كانا يجريا على غير تدبير ولا تقدير لكانا لا يجريان على تقدير واحد [ ولا سنن واحد ][ من م ، ساقطة من الأصل ] ولكان يدخل فيهما الزيادة والنقصان ، ولا يجريان على تقدير واحد ، وإن كان يدخل بعضه في بعض . فدل جريانها على تقدير واحد أنهما يجريان على تدبير آخر فيهما ، إذ لو كان على غير تدبير [ لكانا ][ ساقطة من الأصل وم ] يجريان على انحراف على الزيادة والنقصان على القلة والكثرة .
وفيه أيضا أن مدبرهما واحد لأنه لو كان مدبرهما عددا لكان إذا غلب أحدهما الآخر دامت غلبته ، ولا يصير الغالب مغلوبا والمغلوب غالبا . فإذا صار ذلك ما ذكرنا دل أن مدبرهما واحد لا عدد .
وفيه دلالة البعث بعد الموت لأن كل واحد منهما إذا جاء أتلف صاحبه تلفا حتى لا يبقى له أثر ، ولا شيء منه ، ثم يكون مثله حتى يختلف الذاهب من[ في م : و ] الحادث لا الأول من الثاني . فدل أن الذي قدر على إنشاء ليل قد ذهب أثره[ ساقطة من م ] وأصله قادر على البعث ، ومن قدر على إحداث نهار ، قد[ في م : وقد ] فني ، وهلك قادر على إحداث ما ذكرنا من الموت .
وفيه أن الشيء إذا كان وجوبه بشرطين[ في الأصل وم : بشيئين ] لم يجب إذ عدم أحدهما لأنه قال : ( والنهار مبصرا ) وإنما يبصر بنور البصر ونور النهار جميعا لأنه إذا فات أحد النورين لم يبصر شيء من النور نور البصر أو[ من م ، في الأصل : أي ] نور النهار . دل أن الحكم إذا وجب بشرطين لا يوجب إلا باجتماعهما جميعا : الليل يستر وجوه الأشياء لأن لا يرى نفسه ، والنهار يكشف وجوه الأشياء وفي الليل تستر وجوه الأشياء دلالة أن الحكم إذا كان وجوبه بشرطين يجوز صنعه بعلة واحدة لأنه يستر نور النهار ونور البصر جميعا .
وفي قوله : ( جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً ) وجوه من الدلالة .
أحدها : ما ذكرنا من تذكير النعم ؛ يدعوهم به إلى شكره ، وينهاهم عن الكفران .
والثاني[ في الأصل وم : و ] : فيه تذكير القدرة له حين[ في الأصل وم : حيث ] أنشأ هذا ، وأحدثه ، وأتلف الآخر . فمن قدر على هذا لا يعجزه شيء .
الثالث[ في الأصل وم : و ] : فيه دليل السلطان حين[ في الأصل وم : حيث ] يأخذهم ، ويسير عليهم الأشياء شاؤوا ، أو أبوا . وكذلك النهار يأتيهم حتى يكشف وجوه الأشياء ، ويجلي ، شاؤوا ، أو أبوا .
والرابع[ في الأصل وم : و ] : فيه دليل التدبير والعلم لما ذكرنا من اتساق دريانهما على سنن واحد ومجرى واحد .
والخامس[ في الأصل وم : و ] : فيه دلالة وحدانية منشئهما ؛ بين ههنا في ما جعل الليل على حين[ في الأصل وم : حيث ] قال : ( لتسكنوا فيه ) أخبر أنه جعل الليل للسكون والراحة . فدل ذكر السكون في الليل على أنه جعل النهار للسعي وطلب العيش ألا ترى أنه قال في النهار ( مبصرا ) ؟ أي يبصرون فيه ما يعيشون ، وهو ما ذكر في آية أخرى : ( ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ) الآية[ القصص : 73 ] .
وقوله تعالى : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ) ولم يقل : يبصرون . فظاهر ما سبق من الذكر يجب أن يقال : لقوم يبصرون لأنه قال : ( والنهار مبصرا ) . لكن يحتمل قوله ( يسمعون ) أي يعقلون كقوله : ( ومنهم من يسمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كنوا لا يعقلون )[ يونس : 42 ] ويحتمل قوله : ( يسمعون ) أي يجيبون كقوله [ صلى الله عليه وسلم ][ ساقطة من الأصل وم ] «سمع الله لمن حمده »[ البخاري690 ] أي أجاب الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.