اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ لِتَسۡكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبۡصِرًاۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَسۡمَعُونَ} (67)

قوله تعالى : { هُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ الليل } الآية .

لمَّا ذكر أنَّ العزة لله جميعاً ، احتجَّ عليه بهذه الآية ، وانظر إلى فصاحتهم ، حيث حذف من كل جملةٍ ما ثبت في الأخرى ؛ وذلك أنَّه ذكر علَّة جعل الليل لنا ، وهي قوله : " لِتَسْكُنُوا " وحذفها من جعل النهار ، وذكر صفة النَّهار ، وهي قوله : " مُبْصِراً " وحذفها من الليل ، لدلالة المقابل عليه ، والتقدير : هو الذي جعل لكم الليل مُظْلماً لتسْكُنُوا فيه ، والنهار مُبْصِراً لتتحرَّكُوا فيه لمعاشكم ، فحذف " مُظْلماً " لدلالة " مُبْصِراً " عليه ، وحذف " لتتحرَّكُوا " لدلالة " لتسكنوا " وهذا أفصحُ كلامٍ .

وقوله : " مُبْصِراً " أسند الإبصارَ إلى الظَّرف مجازاً كقولهم : " نهارُهُ صائم ، وليله قائم ونائم " .

قال : [ الطويل ]

. . . *** ونِمْتُ وما لَيْلُ المطِيِّ بِنَائِمِ{[18531]}

وقال قطرب : يقال : أظلم اللَّيْلُ : صار ذا ظلمة ، وأضاء النَّهار : صار ذا ضياء ؛ فيكون هذا من باب النسب ؛ كقولهم : لابنُ وتامرٌ ، وقوله - تعالى - : { عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } [ الحاقة : 21 ] ، إلاَّ أنَّ ذلك إنما جاء في الثلاثيِّ ، وفي " فعَّال " بالتضعيف عند بعضهم في قوله - تعالى - : { وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [ فصلت : 46 ] في أحد الأوجه .

ثم قال : { إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } أي : يتدبَّرُون ما يسمعُون ، ويعتَبِرُون .

فإن قيل : قوله : { جَعَلَ لَكُمُ الليل لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } يدل على أنَّه - تعالى - ما جعلهُ إلا لهذا الوجه ، وقوله { إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ } يدلُّ على أنَّه - تعالى - أراد بتخليقِ الليل والنهار أنواعاً كثيرة من الدلائل .

فالجواب : أن قوله - تعالى - : " لِتسكُنوا " لا يدلُّ على أنَّه لا حكمة فيه إلاَّ ذلك ، بل ذلك يقتضي حصول تلك الحكمة .


[18531]:عجز بيت لجرير وصدره: لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى *** ... ينظر: ديوانه 553 والكتاب 1/80 والمقتضب 3/105 والمحتسب 2/184 وأمالي ابن الشجري 1/36 ومجاز القرآن 1/279 والخزانة 1/465 والإنصاف 1/43 والقرطبي 8/240 والبحر 5/175 والإيضاح 301، والدر المصون 4/52.