المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَكُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ وَلِتَبۡلُغُواْ عَلَيۡهَا حَاجَةٗ فِي صُدُورِكُمۡ وَعَلَيۡهَا وَعَلَى ٱلۡفُلۡكِ تُحۡمَلُونَ} (80)

80- ولكم فيها منافع كثيرة غير الركوب والأكل ، ولتبلغوا عليها حاجة تهتمون بها في أنفسكم ، كجر الأثقال وحملها ونحو ذلك . وعلى الإبل التي هي نوع من الأنعام ، وعلى الفلك تحملون أنتم وأمتعتكم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَكُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ وَلِتَبۡلُغُواْ عَلَيۡهَا حَاجَةٗ فِي صُدُورِكُمۡ وَعَلَيۡهَا وَعَلَى ٱلۡفُلۡكِ تُحۡمَلُونَ} (80)

78

ثم يوجه طلاب الخوارق إلى آيات الله الحاضرة التي ينسون وجودها بطول الألفة . وهي لو تدبروها بعض هذه الخوارق التي يطلبون وهي شاهدة كذلك بالألوهية لبطلان أي ادعاء بأن أحداً غير الله خلقها ، وأي ادعاء كذلك بأنها خلقت بلا خالق مدبر مريد :

( الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ، ومنها تأكلون . ولكم فيها منافع ، ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم ، وعليها وعلى الفلك تحملون . ويريكم آياته ، فأي آيات الله تنكرون ? ) . .

وخلق هذه الأنعام ابتداء آية خارقة كخلق الإنسان فبث الحياة فيها وتركيبها وتصويرها كلها خوارق ، لا يتطاول الإنسان إلى ادعائها ! وتذليل هذه الأنعام وتسخيرها للإنسان ، وفيها ما هو أضخم منه جسماً وأشد منه قوة ، وهو جعلها : ( الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ، ومنها تأكلون . . . ) . وهذه لا يستحق الاحترام أن يقول قائل : إنها هكذا وجدت والسلام ! وإنها ليست خارقة معجزة بالقياس إلى الإنسان ! وإنها لا تدل على الخالق الذي أنشأها وسخرها بما أودعها من خصائص وأودع الإنسان ! ومنطق الفطرة يقر بغير هذا الجدال والمراء .

ويذكرهم بما في هذه الآيات الخوارق من نعم كبار :

( لتركبوا منها ، ومنها تأكلون ) ، ( ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون ) . .

والحاجات التي كانت في الصدور والتي كانوا يبلغونها على الأنعام هي حاجات ضخمة في ذلك الزمان . قبل نشوء كل وسائل النقل والسفر والاتصال إلا على هذه الأنعام . وما تزال هناك حاجات تبلغ على هذه الأنعام حتى اليوم وغد . وهناك حتى اللحظة أسفار في بعض الجبال لا تبلغها إلا الأنعام مع وجود القطار والسيارة والطيارة ، لأنها مجازات ضيقة لا تتسع لغير أقدام الأنعام !

( وعليها وعلى الفلك تحملون ) . .

وهذه كتلك آية من آيات الله . ونعمة من نعمه على الإنسان . وسير الفلك على الماء قائم على نواميس وموافقات في تصميم هذا الكون : سمائه وأرضه . يابسه ومائه . وفي طبيعة أشيائه وعناصره . لا بد أن توجد حتى يمكن أن يسير الفلك على الماء . سواء سار بالشراع أم بالبخار أم بالذرة ، أم بغيرها من القوى التي أودعها الله هذا الكون ، ويسر استخدامها للإنسان . . ومن ثم تذكر في معرض آيات الله ، وفي معرض نعمه على السواء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَكُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ وَلِتَبۡلُغُواْ عَلَيۡهَا حَاجَةٗ فِي صُدُورِكُمۡ وَعَلَيۡهَا وَعَلَى ٱلۡفُلۡكِ تُحۡمَلُونَ} (80)

ثم ذكر تعالى المنافع ذكراً مجملاً ، لأنها أكثر من أن تحصى .

وقوله تعالى : { ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم } يريد قطع المهامه{[10029]} الطويلة والمشاق البعيدة . و : { الفلك } السفن ، وهو هنا جمع . و : { تحملون } يريد : براً وبحراً . وكرر الحمل عليها ، وقد تقدم ذكر ركوبها لأن المعنى مختلف وفي الأمرين تغاير ، وذلك أن الركوب هو المتعارف فيما قرب واستعمل في القرى والمواطن نظير الأكل منها وسائر المنافع بها ، ثم خصص بعد ذلك السفر الأطوال وحوائج الصدور مع البعد والنوى ، وهذا هو الحمل الذي قرنه بشبيهه من أمر السفن .


[10029]:جمع مهمه وهو المفازة البعيدة والبلد المقفر.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَكُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ وَلِتَبۡلُغُواْ عَلَيۡهَا حَاجَةٗ فِي صُدُورِكُمۡ وَعَلَيۡهَا وَعَلَى ٱلۡفُلۡكِ تُحۡمَلُونَ} (80)

اللام في { لكم } لام التعليل ، أي لأجلكم وهو امتنان مُجمل يشمل بالتأمل كل ما في الإِبل لهم من منافع وهم يعلمونها إذا تذكّروها وعدُّوها . ثم فصّل ذلك الإِجمال بعضَ التفصيل بذكر المهمّ من النعم التي في الإِبل بقوله : { لِتَرْكَبُوا منهَا } إلى { تحملون . } فاللام في { لِتَرْكَبُوا منهَا } لام كي وهي متعلقة ب { جعل } أي لركوبكم .

و ( مِنْ ) في الموضعين هنا للتبعيض وهي صفة لمحذوف يدل عليه ( من ) أي بعضاً منها ، وهو ما أعد للأسفار من الرواحل . ويتعلق حرف ( مِن ) ب { تركبوا } ، وتعلُّقُ ( مِن ) التبعيضية بالفعل تعلق ضعيف وهو الذي دعا التفتزاني إلى القول بأن ( مِن ) في مثله اسمٌ بمعنى بعضضٍ ، وتقدم ذلك عند قوله تعالى : { ومن الناس من يقول آمنا باللَّه } في سورة [ البقرة : 8 ] .

وأريد بالركوب هنا الركوب للراحة من تَعب الرِّجلين في الحاجة القريبة بقرينة مقابلته بقوله : { وَلِتَبلُغُوا عَليهَا حَاجَةً في صُدُورِكُم } .

وجملة { وَمِنْها تَأكُلُونَ } في موضع الحال من { الأنعام ، } أو عطف على المعنى من جملةِ { لِتَرْكَبُوا مِنْهَا } لأنها في قوة أن يقال : تركبونَ منها ، على وجه الاستئناف لبيان الإجمال الذي في { جَعَلَ لَكُمُ الأنعام } ، وعلى الاعتبارين فهي في حيّز ما دخلت عليه لاَم كي فمعناها : ولتأكلوا منها .

وجملة { ولكم فيها منافع } عطف على جملة { وَمِنْهَا تَأكُلُونَ } ، والمعنى أيضاً على اعتبار التعليل كأنه قيل : ولتجتنوا منافعها المجعولة لكم وإنما غيّر أسلوب التعليل تفنناً في الكلام وتنشيطاً للسامع لئلا يتكرر حرف التعليل تكراراتٍ كثيرة .

والمنافع : جمع منفعة ، وهي مَفْعلة من النفع ، وهي : الشيء الذي ينتفع به ، أي يستصلح به . فالمنافع في هذه الآية أريد بها ما قابل منافع أكل لحومها في قوله : { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } مثل الانتفاع بأوبارها وألبانها وأثمانها وأعواضِها في الديَات والمهور ، وكذلك الانتفاع بجلودها باتخاذها قباباً وغيرَها وبالجلوس عليها ، وكذلك الانتفاع بجَمال مرآها في العيون في المسرح والمراح ، والمنافع شاملة للركوب الذي في قوله : { لِتَركبوا مِنهَا } ، فذكر المنافع بعد { لِتَركبوا منها } تعميم بعد تخصيص كقوله تعالى : { ولي فيها مئارب أخرى } [ طه : 18 ] بعد قوله : { هي عصاي أتوكؤ عليها } [ طه : 18 ] ، فذُكر هنا الشائع المطروق عندهم ثم ذكر مثيله في الشيوع وهو الأكل منها ، ثم عاد إلى عموم المنافع ، ثم خص من المنافع الأسفار ، فإن اشتداد الحاجة إلى الأنعام فيها تجعل الانتفاع بركوبها للسفر في محل الاهتمام . ولما كانت المنافع ليست منحصرة في أجزاء الأنعام جيء في متعلقها بحرف ( في ) دون ( مِن ) لأن ( في ) للظرفية المجازية بقرينة السياق فتشمل كل ما يُعدّ كالشيء المحوي في الأنعام ، كقول سَبْرَةَ بن عَمْرو الفقعسي من شعراء الحماسة يذكر ما أخذه من الإبل في ديةِ قريبٍ :

نحابي بها أكفاءَنا ونُهينُها *** وَنَشْرَب في أثمانها ونُقامر

وأنبأ فعل { لِتَبْلغوا } أن الحاجة التي في الصدور حاجة في مكان بعيد يطلبها صاحبها . والحاجة : النية والعزيمة .

والصدور أطلق على العقول اتباعاً للمتعارف الشائع كما يطلق القلوب على العقول .

وأعقب الامتنان بالأنعام بالامتنان بالفلك لمناسبة قوله : { ولِتَبلُغُوا عَلَيها حَاجَةً في صُدُورِكُم } فقال : { وَعَلَيهَا وَعَلَى الفُلْكِ تُحمَلُونَ } ، وهو انتقال من الامتنان بجعل الأنعام ، إلى الامتنان بنعمة الركوب في الفلك في البحار والأنهار فالمقصود هو قوله : { وعَلَى الفُلْكِ تُحْمَلُونَ } . وأما قوله : { وعليها } فهو تمهيد له وهو اعتراض بالواو الاعتراضية تكريراً للمنّة ، على أنه قد يشمل حمل الأثقال على الإِبل كقوله تعالى : { وتحمل أثقالكم } [ النحل : 7 ] فيكون إسناد الحمل إلى ضمير الناس تغليباً .

ووجه الامتنان بالفلك أنه امتنان بما ركَّب الله في الإِنسان من التدبير والذكاء الذي توصل به إلى المخترعات النافعة بحسب مختلف العصور والأجيال ، كما تقدم في سورة [ البقرة : 164 ] عند قوله تعالى : { والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس } الآيات ، وبيّنا هنالك أن العرب كانوا يركبون البحر الأحمر في التجارة ويركبون الأنهار أيضاً قال النابغة يصف الفرات :

يظل من خوفه الملاح معتصماً *** بالخيزرانة بعد الأيْن والنجَد

والجمع بين السفر بالإِبل والسفر بالفلك جمع لطيف ، فإن الإِبل سفائن البر ، وقديماً سموها بذلك ، قاله الزمخشري في تفسير سورة المؤمنين .

وإنما قال : { وَعلَى الفُلْكِ } ولم يقل : وفي الفلك ، كما قال : { فإذا ركبوا في الفلك } [ العنكبوت : 65 ] لمزاوجة والمشاكلة مع { وعليها ، } وإنما أعيد حرف ( على ) في الفلك لأنها هي المقصودة بالذكر وكان ذكر { وعليها } كالتوطئة لها فجاءت على مثالها .

وتقديم المجرورات في قوله : { وَمِنْهَا تأكُلُون } وقوله : { وَعَلَيها وعَلَى الفُلْكِ } لرعاية على الفاصلة مع الاهتمام بما هو المقصود في السياق . وتقديم { لكم } على { الأنعام } مع أن المفعول أشد اتصالاً بفعله من المجرور لقصد الاهتمام بالمنعَم عليهم .

وأما تقديم المجرورين في قوله : { وَلَكُمْ فِيهَا منافع } فللاهتمام بالمنعم عليهم والمنعم بها لأنه الغرض الأول من قوله : { الله الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأنعام } .