( إنه كان فريق من عبادي يقولون : ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين . فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري ، وكنتم منهم تضحكون ) . .
وكذلك لم يكن جرمكم أنكم كفرتم فحسب ، واقتصرتم على أنفسكم بالكفر وهو جرم عظيم ؛ إنما بلغ بكم السفه والتوقح أن تسخروا ممن آمنوا ، وراحوا يرجون غفران ربهم ورحمته ؛ وأن تضحكوا منهم حتى ليشغلكم هذا الهذر عن ذكر الله ، ويباعد بينكم وبين التدبر والتفكر في دلائل الإيمان المبثوثة في صفحات الوجود . . فانظروا اليوم أين مكانكم ومكان أولئك الذين كنتم تسخرون منهم وتضحكون :
{ فاتخذتموهم سخريا } هزؤا وقرأ نافع وحمزة والكسائي هنا وفي " ص " بالضم ، وهما مصدر سخر زيدت فيهما ياء النسب للمبالغة ، وعند الكوفيين المكسور بمعنى الهزء والمضموم من السخرة بمعنى الانقياد والعبودية . { حتى أنسوكم ذكري } من فرط تشاغلكم بالاستهزاء بهم فلم تخافوني في أوليائي . { وكنتم منهم تضحكون } استهزاء بهم .
وقرأ نافع وحمزة والكسائي «سُخرياً » بضم السين ، وقرأ الباقون «سِخرياً » بكسرها ، فقالت طائفة هما بمعنى واحد وذكر ذلك الطبري ، وقال ذلك أبو زيد الأنصاري إنهما بمعنى الهزء ، وقال أبو عبيدة وغيره : إن ضم السين من «السخرة » والتخديم وكسر السين من السخر وهو الاستهزاء ومنه قول الأعشى : [ البسيط ]
إني أتاني حديث لا أسرُّ به . . . من علو لا كذب ولا سخر{[8553]}
قال أبو علي قراءة كسر السين أوجه لأنه بمعنى الاستهزاء والكسر فيه أكثر وهو أليق بالآية ألا ترى إلى قوله : { وكنتم منهم تضحكون } . .
قال القاضي أبو محمد : ألا ترى إلى إجماع القراء على ضم السين في قوله { لتخذ بعضهم بعضاً سخرياً }{[8554]} [ الزخرف : 32 ] لما تخلص الأمر للتخديم ، قال يونس إذا أريد التخديم فضم السين لا غير ، وإذا أريد تخلص الاستهزاء فالضم والكسر ، وقرأ أصحاب عبد الله والأعرج وابن أبي إسحاق كل ما في القرآن بضم السين ، وقرأ الحسن وأبو عمرو كل ما في القرآن بالكسر إلا التي في الزخرف فإنهما ضما السين كما فعل الناس لأنها من التخديم ، وأضاف «الإنسان » إلى «الفريق » من حيث كان بسببهم والمعنى أن اشتغالهم بالهزء بهؤلاء أنساهم ما ينفعهم .
السخري بضم السين في قراءة نافع والكسائي وأبي جعفر وخلف ، وبكسر السين في قراءة الباقين ، وهما وجهان ومعناهما واحد عند المحققين من أيمة اللغة لا فرق بينهما خلافاً لأبي عبيدة والكسائي والفراء الذين جعلوا المكسور مأخوذاً من سخر بمعنى هزأ ، والمضموم مأخوذاً من السخرة بضم السين وهي الاستخدام بلا أجر . فلما قصد منه المبالغة في حصول المصدر أدخلت ياء النسبة كما يقال : الخصوصية لمصدر الخصوص .
وسلط الاتخاذ على المصدر للمبالغة كما يوصف بالمصدر . والمعنى : اتخذتموهم مسخوراً بهم ، فنصب سخرياً } على أنه مفعول ثان ل { اتخذتموهم } .
و { حتى } ابتدائية ومعنى ( حتى ) الابتدائية معنى فاء السببية فهي استعارة تبعية . شبه التسبب القوي بالغاية فاستعملت فيه ( حتى ) . والمعنى : أنكم لهوتم عن التأمل فيما جاء به القرآن من الذكر ، لأنهم سخروا منهم لأجل أنهم مسلمون فقد سخروا من الدين الذي كان اتباعهم إياه سبب السخرية بهم فكيف يرجى من هؤلاء التذكر بذلك الذكر وهو من دواعي السخرية بأهله . وتقدم الكلام على فعل ( سخر ) عند قوله : { فحاق بالذين سخروا منهم } في سورة الأنعام ( 10 ) وقوله : { يسخرون منهم } في سورة براءة ( 79 ) .
فإسناد الإنساء إلى الفريق مجاز عقلي لأنهم سببه ، أو هو مجاز بالحذف بتقدير : حتى أنساكم السخري بهم ذكري . والقرينة على الأول معنوية وعلى الثاني لفظية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.