وما دام أن إبراهيم - عليه السلام - كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ، فليس لأي من اليهود أو النصارى - أو المشركين أيضا - أن يدعي وراثته ، ولا الولاية على دينه ، وهم بعيدون عن عقيدته . . والعقيدة هي الوشيجة الأولى التي يتلاقى عليها الناس في الإسلام . حين لا يلتقون على نسب ولا أرومة ولا جنس ولا أرض ، إذا أنبت تلك الوشيجة التي يتجمع عليها أهل الإيمان . فالإنسان في نظر الإسلام إنسان بروحه . بالنفخة التي جعلت منه إنسانا . ومن ثم فهو يتلاقى على العقيدة أخص خصائص الروح فيه . ولا يلتقي على مثل ما تلتقي عليه البهائم من الأرض والجنس والكلأ والمرعى والحد والسياج ! والولاية بين فرد وفرد ، وبين مجموعة ومجموعة ، وبين جيل من الناس وجيل ، لا ترتكن إلى وشيجة أخرى سوى وشيجة العقيدة . يتلاقى فيها المؤمن والمؤمن . والجماعة المسلمة والجماعة المسلمة . والجيل المسلم والأجيال المسلمة من وراء حدود الزمان والمكان ، ومن وراء فواصل الدم والنسب ، والقوم والجنس ؛ ويتجمعون أولياء - بالعقيدة وحدها - والله من ورائهم ولي الجميع :
( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه ، وهذا النبي ، والذين آمنوا . والله ولي المؤمنين )
فالذين اتبعوا إبراهيم - في حياته - وساروا على منهجه ، واحتكموا إلى سنته هم أولياؤه . ثم هذا النبي الذي يلتقي معه في الإسلام بشهادة الله أصدق الشاهدين . ثم الذين آمنوا بهذا النبي [ ص ] فالتقوامع إبراهيم - عليه السلام - في المنهج والطريق .
فهم حزبه الذين ينتمون إليه ، ويستظلون برايته ، ويتولونه ولا يتولون أحدا غيره . وهم أسرة واحدة . وأمة واحدة . من وراء الأجيال والقرون ، ومن وراء المكان والأوطان ؛ ومن رواء القوميات والأجناس ، ومن وراء الأرومات والبيوت !
وهذه الصورة هي أرقى صورة للتجمع الإنساني تليق بالكائن الإنساني . وتميزه من القطيع ! كما أنها هي الصورة الوحيدة التي تسمح بالتجمع بلا قيود . لأن القيد الواحد فيها اختياري يمكن لكل من يشاء أن يفكه عن نفسه بإرادته الذاتية . فهو عقيدة يختارها بنفسه فينتهي الأمر . . على حين لا يملك الفرد أن يغير جنسه - إن كانت رابطة التجمع هي الجنس - ولا يملك أن يغير قومه - إن كانت رابطة التجمع هي القوم - ولا يملك أن يغير لونه - إن كانت رابطة التجمع هي اللون - ولا يملك بيسر أن يغير لغته إن كانت رابطة التجمع هي اللغة - ولا يملك بيسر أن يغير طبقته - إن كانت رابطة التجمع هي الطبقة - بل قد لا يستطيع أن يغيرها أصلا إن كانت الطبقات وراثة كما في الهند مثلا . ومن ثم تبقى الحواجز قائمة أبدا دون التجمع الإنساني ، ما لم ترد إلى رابطة الفكرة والعقيدة والتصور . . الأمر المتروك للاقتناع الفردي ، والذي يملك الفرد بذاته ، بدون تغيير أصله أو لونه أو لغته أو طبقته أن يختاره ، وأن ينضم إلى الصف على أساسه .
وذلك فوق ما فيه من تكريم للإنسان ، بجعل رابطة تجمعه مسألة تتعلق بأكرم عناصره ، المميزة له من القطيع !
والبشرية إما أن تعيش - كما يريدها الإسلام - أناسي تتجمع على زاد الروح وسمة القلب وعلامة الشعور . . وإما أن تعيش قطعانا خلف سياج الحدود الأرضية ، أو حدود الجنس واللون . . وكلها حدود مما يقام للماشية في المرعى كي لا يختلط قطيع بقطيع ! ! !
{ إن أولى الناس بإبراهيم } إن أخصهم به وأقربهم منه . من الولي وهو القرب . { للذين اتبعوه } من أمته . { وهذا النبي والذين آمنوا } لموافقتهم له في أكثر ما شرع لهم على الأصالة . وقرئ والنبي بالنصب عطفا على الهاء في اتبعوه ، وبالجر عطفا على إبراهيم . { والله ولي المؤمنين } ينصرهم ويجازيهم الحسنى لإيمانهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.