( فأتت به قومها تحمله . . ! ) . . فلنشهد هذا المشهد المثير :
إننا لنتصور الدهشة التي تعلو وجوه القوم - ويبدو أنهم أهل بيتها الأقربون في نطاق ضيق محدود - وهم يرون ابنتهم الطاهرة العذراء الموهوبة للهيكل العابدة المنقطعة للعبادة . . يرونها تحمل طفلا !
( قالوا : يا مريم لقد جئت شيئا فريا . يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء ، وما كانت أمك بغيا ! )
إن ألسنتهم لتنطلق بالتقريع والتأنيب : ( يا مريم لقد جئت شيئا فريا )فظيعا مستنكرا .
يقول تعالى مخبرًا عن مريم حين أمرت أن تصوم يومها ذلك ، وألا تكلم أحدًا من البشر فإنها{[18778]} ستكفى أمرها ويقام بحجتها{[18779]} فسلمت لأمر الله ، عز وجل ، واستسلمت لقضائه ، وأخذت ولدها { فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ } فلما رأوها كذلك ، أعظموا أمرها واستنكروه جدًّا ، وقالوا : { يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا } أي : أمرًا عظيمًا . قاله مجاهد ، وقتادة والسدي ، وغير واحد .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن أبي زياد ، حدثنا سَيَّار{[18780]} حدثنا جعفر بن سليمان ، حدثنا أبو عمران الجَوْني ، عن نوف البِكَاليّ قال : وخرج قومها في طلبها ، وكانت من أهل بيت نبوة وشرف . فلم يحسوا{[18781]} منها شيئًا ، فرأوا{[18782]} راعي بقر فقالوا : رأيت فتاة كذا وكذا نَعْتُها ؟ قال : لا ولكني رأيت الليلة من بقري ما لم أره منها قط . قالوا : وما رأيت ؟ قال : رأيتها{[18783]} سُجَّدا نحو هذا الوادي . قال عبد الله بن أبي زياد : وأحفظ عن سيار أنه قال : رأيت نورًا ساطعًا . فتوجهوا حيث قال لهم ، فاستقبلتهم مريم ، فلما رأتهم قعدت وحملت ابنها في حجرها ، فجاءوا حتى قاموا عليها ، { قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا } أمرًا عظيمًا .
روي أن مريم عليها السلام لما اطمأنت بما رأت من الآيات وعلمت ان الله سيبين عذرها أتت به تحمله من المكان القصي الذي انتبذت فيه ، وروي أن قومها خرجوا في طلبها فلقوها وهي مقبلة به . و «الفري » العظيم الشنيع ، قال مجاهد والسدي ، وأكثر استعماله في السوء وهو من الفرية ، فإن جاء الفري بمعنى المتقن فمأخوذ من فريت الأديم للإصلاح وليس بالبين ، وأما قولهم في المثل جاء يفري الفري بمعناه بعمل عظيم من العمل في قول أو فعل مما قصد ضرب المثل له وهو مستعمل فيما يختلف ويفعل ، و «الفري » من الأسقية الجديد ، وقرأ أبو حيوة «شيئاً فرْياً » بسكون الراء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.