{ وأقيموا الوزن بالقسط } قوموا وزنكم بالعدل . والمراد : حث الإنسان على مراعاته في جميع أقواله وأفعاله . { ولا تخسروا الميزان } أي لا تنقصوه ؛ فإن من حقه أن يسوى . أمر الله تعالى بالتسوية ، ونهى عن الطغيان فيه الذي هو اعتداء وزيادة ، وعن الخسران فيه الذي هو تطفيف ونقصان ؛ وكلاهما ظلم . وكرر لفظ " الميزان " تشديدا للتوصية به ، وتقوية للأمر باستعماله والحث عليه .
" وأقيموا الوزن بالقسط " أي افعلوه مستقيما بالعدل . وقال أبو الدرداء رضي الله عنه : أقيموا لسان الميزان بالقسط والعدل . وقال ابن عيينة{[14513]} : الإقامة باليد والقسط بالقلب . وقال مجاهد : القسط العدل بالرومية . وقيل : هو كقولك أقام الصلاة أي أتى بها في وقتها ، وأقام الناس أسواقهم أي أتوها لوقتها . أي لا تدعوا التعامل بالوزن بالعدل . " ولا تخسروا الميزان " ولا تنقصوا الميزان ولا تبخسوا الكيل والوزن ، وهذا كقوله : " ولا تنقصوا المكيال والميزان{[14514]} " [ هود : 84 ] . وقال قتادة في هذه الآية : اعدل يا ابن آدم كما تحب أن يعدل لك ، وأوف كما تحب أن يوفى لك ، فإن العدل صلاح الناس . وقيل : المعنى ولا تخسروا ميزان حسناتكم يوم القيامة فيكون ذلك حسرة عليكم . وكرر الميزان لحال رؤوس الآي . وقيل : التكرير للأمر بإيفاء الوزن ورعاية العدل فيه . وقراءة العامة " تخسروا " بضم التاء وكسر السين . وقرأ بلال بن أبي بردة وأبان عن عثمان " تخسروا " بفتح التاء والسين وهما لغتان ، يقال : أخسرت الميزان وخسرته كأجبرته وجبرته . وقيل : " تخسروا " بفتح التاء والسين محمول على تقدير حذف حرف الجر ، والمعنى ولا تخسروا في الميزان .
ولما كان التقدير : فاقتدوا بأفعالي وتخلقوا بكل ما آمر به من أقوالي ، عطف عليه قوله : { وأقيموا الوزن* } أي جميع الأفعال التي يقاس لها الأشياء { بالقسط } .
ولما كان المراد العدل العظيم ، بينه بالتأكيد بعد الأمر بالنهي عن الضد فقال : { ولا تخسروا الميزان * } أي توقعوا في شيء من آلة العدل التي يقدر بها الأشياء من الذرع والوزن والعدل والكيل ونحو - نوعاً من أنواع الخسر - بما دل عليه تجريد الفعل فتخسروا ميزان أعمالكم وجزائكم يوم القيامة ، وقد علم بتكرير الميزان ما{[61818]} أريد من التأكيد في الأمر به لما له من الضخامة سواء كان بمعنى واحد أو بمعان مختلفة .