كان كما يصفه ذلك الوصف الخاطف الرعيب :
( إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر . تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر ) . . والريح الصرصر : الباردة العنيفة . وجرس اللفظ يصور نوع الريح . والنحس : الشؤم . وأي نحس يصيب قوما أشد مما أصاب عاد . والريح تنزعهم وتجذبهم وتحطمهم . فتدعهم كأنهم أعجاز نخل مهشمة مقلوعة من قعورها ? !
والمشهد مفزع مخيف ، وعاصف عنيف . والريح التي أرسلت على عاد " هي من جند الله " وهي قوة من قوى هذا الكون ، من خلق الله ، تسير وفق الناموس الكوني الذي اختاره ؛ وهو يسلطها على من يشاء ، بينما هي ماضية في طريقها مع ذلك الناموس ، بلا تعارض بين خط سيرها الكوني ، وأدائها لما تؤمر به وفق مشيئة الله . صاحب الأمر وصاحب الناموس :
قوله جلّ ذكره : { كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ إِِنَّا أَرْسْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمٍ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } .
كَذَّبوا هوداً ، فأرسلنا عليهم { رِيحاً صَرْصَراً } أي : باردةً شديدة الهُبوب ، يُسْمَعُ لها صوت .
{ فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ } أي : في يوم شؤم استمرَّ فيه العذابُ بهم ، ودام ذلك فيهم ثمانيةَ أيام وسَبْعَ ليالٍ ، وقيل : دائم الشؤم تنزع رياحُه الناسَ عن حُفَرِهم التي حفروها . حتى صاروا كأنهم أسافلُ نخلٍ مُنْقَطِع . وقيل : كانت الريح تقتلع رؤوسهم عن مناكبهم ثم تُلْقي بهم كأنهم أصول نخلٍ قطعت رؤوسُها .
ريحا صرصرا : باردة أشد البرد ، يقال : ريح صرّ وصرصر أي : شديدة الصوت ، أو الباردة .
النّحس : الشؤم على عاد حتى أهلكهم .
مستمر : دائم شؤمه حتى أهلكهم .
19-{ إنّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ } .
أرسلنا عليهم ريحا باردة شديدة الصوت .
قيل : باردة ، وقيل : شديدة الصوت ، والحق أنها متصفة بجميع ذلك ، فقد كانت ريحا شديدة قوية ، وكانت باردة شديدة البرد ، وكانت ذات صوت مزعج . أ . ه .
أي : جمعت الهلاك والإبادة والتدمير ، في يوم شؤم على هؤلاء المعتدين مستمر ، حيث اتصل عذابهم في الدنيا بعذابهم في الآخرة ، وقد نهينا في السنة المطهرة عن التشاؤم من أمر بعينه ، أو يوم بعينه وإنما الأيام والليالي كلها سواء ، لذا كان التشاؤم بالعدد ( 13 ) غير صحيح شرعا ودينا .
روى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ، وفرّ من المجذوم فرارك من الأسد " vi .
أي أن العدوى لا تقع إلا بإذن الله ، ولا يجوز التطيّر أو التشاؤم من شيء ، فإذا رأى الإنسان شيئا يتشاءم منه ، يقول : " اللهم لا يأتي بالخير إلا أنت ، ولا يُذهب السوء إلا أنت ، اللهم اكفني السوء بما شئت وكيف شئت ، إنك على ما تشاء قدير " vii . ثم يمضي في عمله ولا يتراجع عنه .
( ولا هامة ) كانت العرب تعتقد أن روح القتيل تتقمّص طائرا يسمى الصَّدى وتصيح بالليل تقول : ( اسقوني من دم قاتلي ) ، فإذا أخذ بثأره هدأ القتيل واستقرت روحه ، وهذه خرافة لا أصل لها ، وكانت تدفعهم للأخذ بالثأر ، فقال صلى الله عليه وسلم : " لا هامة " .
( ولا صفر ) قد حرّم الله القتال في شهر المحرم ، وكان العرب إذا احتاجوا إلى الحرب في المحرم ، قام كبيرهم ، فقال : إني أحللت لكم القتال في المحرم ، ونقلت تحريمه إلى شهر صفر ، فقال صلى الله عليه وسلم : " ولا صفر " ، أي : لا يجوز تحريم القتال في شهر صفر ، بل يجب الإبقاء على جعل المحرم هو الشهر الحرام بنفسه دون غيره .
وفي آخر الحديث نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يدعونا إلى الابتعاد عن الاختلاط بأصحاب الأمراض المعدية ، فكما تفرّ من الأسد المفترس ، ينبغي أن تفرَّ من المريض بالجُذام ، ويقاس عليه كل مرض مُعد .
{ إنا أرسنا عليهم ريحا صرصراً } : أي ريحا عاتية ذات صوت شديد .
في يوم نحس مستمر : أي في يوم نحسٍ أي شؤم مستمر دائم الشؤم قوِيَّة حتى هلكوا .
أرسل تعالى عليهم ريحاً صرصراً ذات صوت شديد في يوم نحس وكان مساء الأربعاء لثمان خلون من شهر شوال مستمر بشدة وقوم وشؤم عليهم مدة سبع ليال وثمانية أيام .
- بيان عقوبة المكذبين لرسول الله وما نزل بهم من العذاب في الدنيا قبل الآخرة .
{ إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً . . . } أى : إنا أرسلنا عليهم ريحا شديدة البرودة والقوة ، ذات صوت هائل .
{ فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ } أى : فى يوم مشئوم عليهم ، وشؤمه دائم ومستمر لم ينقطع عنهم حتى دمرهم .
قال ابن كثير : قوله : { مُّسْتَمِرٍّ } أى : مستمر عليهم نحسه ودماره ، لأنه يوم اتصل فيهم عذابهم الدنيوى بالأخروى .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً في أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الخزي فِي الحياة الدنيا وَلَعَذَابُ الآخرة أخزى وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ } وإضافة " يوم " إلى " نحس " من إضافة الزمان إلى ما يقع فيه ، كقولهم : يوم فتح خيبر .
والمراد أنه يوم منحوس ومشئوم بالنسبة لهؤلاء المهلكين ، وليس المراد أنه يوم منحوس بذاته ، لأنه الأيام يداولها الله - تعالى - بين النسا ، بمقتضى إرادته وحكمته .