بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ( 1 ) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ( 2 ) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ( 3 ) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا ( 4 ) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ( 5 ) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ( 6 ) وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً ( 7 ) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ( 8 ) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ( 9 ) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ( 10 ) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ( 11 ) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ( 12 ) }
وقعت الواقعة : حدثت وقامت القيامة .
ليس لوقعتها كاذبة : لا تكون نفس مكذِّبة لوقوعها يوم القيامة .
1 ، 2- { إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } .
تفتتح السورة هذا الافتتاح الرهيب الذي يعبر عن هول القيامة ، وتسمى الواقعة لتحقق وقوعها لا محالة ، كما قال سبحانه وتعالى : { فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ } . ( الحاقة : 15 ) .
ومن أسماء القيامة : القارعة ، والحاقة ، والآزفة ، والصاخّة ، والساعة ، وكلها تتلاقى على أن في هذا اليوم هولا عظيما .
فهي تسمى ( القيامة ) لأن الناس تقوم من القبور للحساب : { يوم يقوم الناس لربّ العالمين } . ( المطففين : 6 ) .
وتسمى ( الحاقة ) لأن مجيئها حق مؤكد .
وتسمى ( الآزفة ) لأن مجيئها قريب آزف .
قال تعالى : ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا . ( الإسراء : 51 ) .
وقال تعالى : أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ . ( النجم : 57-58 ) .
وتسمى ( الصاخة ) لأنها تصخ الآذان بأهوالها ، والصاخة نوع من العذاب ، أو مقدمة للعذاب ، وكذلك القيامة بالنسبة للكافرين .
وفي القيامة أصناف تظل في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله ، وهناك الآمنون المطمئنون يوم الفزع الأكبر ، لا يخافون إذا خاف الناس ، بل هم آمنون مطمئنون لفضل الله الكريم ، وجزائه العظيم .
وقد حذف الجواب لتذهب النفس في تصوره كل مذهب ، أو أن الجواب معروف مما ذكر بعد ذلك ، من قوله تعالى : خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ .
إذا قامت القيامة ووقعت الواقعة الكبرى ، فذلك حق لا شك فيه ولا مراء ، ولا توجد نفس كاذبة منكرة لها ، كما كان ذلك في الدنيا ، بل هو اليقين بأن وعد الله قد تحقق وتأيّد .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ليس لوقعتها} يعني ليس لصيحتها {كاذبة} أنها كائنة ليس لها مشورة ولا ارتداد...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ "يقول تعالى: ليس لوقعة الواقعة تكذيب ولا مردودية ولا مثنوية...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي هي حق، ليست بكذب. وقال بعضهم: أي لا يكذب بها أحد إذا وقعت، ليست كالآيات التي عاينوها في الدنيا مع ما عرفوا أنها آيات كذبوها...يقول تعالى: إذا عاينوا القيامة، يقرون بها، ويصدقونها، ولا يكذبون بها... ويحتمل أن يكون: {ليس لوقعتها كاذبة} أي ليست الأنباء والأخبار التي جاءت على وقوعها وقيامها كاذبة، بل هي صادقة.
جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :
أي جف القلم بما هو كائن، وتمت السابقة حتى نزلت الواقعة: إما خافضة قوما كانوا مرفوعين في الدنيا، وإما رافعة قوما كانوا مخفوضين في الدنيا. (الإحياء: 4/178)...
{ليس لوقعتها} إشارة إلى أنها تقع دفعة واحدة فالوقعة للمرة الواحدة.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} أي: ليس لوقوعها إذا أراد الله كونها صارف يصرفها، ولا دافع يدفعها...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ليس لوقعتها} أي تحقق وجودها {كاذبة} أي كذب فهي مصدر عبر عنه باسم الفاعل للمبالغة بأنه ليس في أحوالها شيء يمكن أن ينسب إليه كذب ولا يمشي فيها كذب أصلاً ولا يقر عليه، بل كل ما أخبر بمجيئه جاء من غير أن يرده شيء، وكل ما أخبر بنفيه انتفى فلا يأتي به شيء،...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
هذا الأسلوب الخاص يتناسب مع الصورة المروعة المفزعة التي يرسمها هذا المطلع بذاته. فالواقعة بمعناها وبجرس اللفظ ذاته -بما فيه من مد ثم سكون- تلقى في الحس كأنما هي ثقل ضخم ينقض من عل ثم يستقر، لغير ما زحزحة بعد ذلك ولا زوال! (ليس لوقعتها كاذبة)...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والواقعة أصلها: الحادثة التي وقعت، أي حصلت، يقال: وقع أمر، أي حصل كما يقال: صِدْق الخبرِ مطابقتُه للواقع، أي كون المعنى المفهوم منه موافقاً لمسمى ذلك المعنى في الوجود الحاصل أو المتوقع على حسب ذلك المعنى، ومن ذلك حادثة الحرب يقال: واقعة ذي قار، وواقعة القادسية. فراعوا في تأنيثها معنى الحادث أو الكائنة أو الساعة...وقريب منه قولهم: دارت عليه الدائرة، قال تعالى: {يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة} [المائدة: 52] وقال: {عليهم دائرةُ السَّوْء} [التوبة: 98]. و {كاذبة} يجوز أن يكون اسم فاعل من كذب المجرد، جرى على التأنيث للدلالة على أنه وصف لمحذوف مؤنث اللفظ. وتقديره هنا نفس، أي تنتفي كل نفس كاذبة.
" ليس لوقعتها كاذبة " الكاذبة مصدر بمعنى الكذب ، والعرب قد تضع الفاعل والمفعول موضع المصدر ، كقوله تعالى : " لا تسمع فيها لاغية{[14610]} " [ الغاشية : 11 ] أي لغو ، والمعنى لا يسمع{[14611]} لها كذب ، قاله الكسائي . ومنه قول العامة : عائذا بالله أي معاذ الله ، وقم قائما أي قم قياما . ولبعض نساء العرب ترقص ابنها :
قم قائماً قم قائمَا *** أصبت عبداً نائمَا
وقيل : الكاذبة صفة والموصوف محذوف ، أي ليس لوقعتها حال كاذبة ، أو نفس كاذبة ، أي كل من يخبر عن وقعتها صادق . وقال الزجاج : " ليس لوقعتها كاذبة " أي لا يردها شيء . ونحوه قول الحسن وقتادة . وقال الثوري : ليس لوقعتها أحد يكذب بها . وقال الكسائي{[14612]} أيضا : ليس لها تكذيب ، أي ينبغي ألا يكذب بها أحد . وقيل : إن قيامها جد لا هزل فيه .
{ ليس لوقعتها كاذبة } يحتمل ثلاثة أوجه :
الأول : أن تكون الكاذبة مصدر كالعافية والمعنى ليس لها كذب ، ولا رد .
الثاني : أن تكون كاذبة صفة محذوف كأنه قال ليس لها حالة كاذبة أي : هي صادقة الوقوع ولا بد وهذا المعنى قريب من الأول .
الثالث : أن يكون التقدير ليس لها نفس كاذبة أي : تكذيب في إنكار البعث لأن كل نفس تؤمن حينئذ .
ولما كان هذا معناه الساعة التي أبرم القضاء بأنه لا بد من كونها ، عبر عنه بانياً على مبتدأ محذوف فقال : { ليس لوقعتها } أي تحقق وجودها { كاذبة * } أي كذب{[62064]} فهي مصدر عبر عنه باسم الفاعل للمبالغة بأنه ليس في{[62065]} أحوالها شيء يمكن أن ينسب{[62066]} إليه كذب ولا يمشي فيها كذب أصلاً ولا يقر عليه ، بل كل ما أخبر بمجيئه جاء من غير أن يرده{[62067]} شيء ، وكل ما أخبر بنفيه انتفى فلا يأتي به شيء ،