الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{لَيۡسَ لِوَقۡعَتِهَا كَاذِبَةٌ} (2)

فإن قلت : بم انتصب إذا ؟ قلت : بليس . كقولك يوم الجمعة ليس لي شغل . أو بمحذوف ، يعني : إذا وقعت كان كيت وكيت ، أو بإضمار اذكر { كَاذِبَةٌ } نفس كاذبة ، أي : لا تكون حين تقع نفس تكذب على الله وتكذب في تكذيب الغيب ؛ لأنّ كل نفس حينئذٍ مؤمنة صادقة مصدّقة ، وأكثر النفوس اليوم كواذب مكذبات ، كقوله تعالى : { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُواْ ءامَنَّا بالله وَحْدَهُ } [ غافر : 84 ] ، { لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ حتى يَرَوُاْ العذاب الاليم } [ الشعراء : 201 ] ، { وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ فِى مِرْيَةٍ مّنْهُ حتى تَأْتِيَهُمُ الساعة بَغْتَةً } [ الحج : 55 ] واللام مثلها في قوله تعالى : { ياليتنى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى } [ الفجر : 24 ] أو : ليس لها نفس تكذبها وتقول لها : لم تكوني كما لها اليوم نفوس كثيرة يكذبنها ، يقلن لها : لن تكوني . أو هي من قولهم : كذبت فلاناً نفسه في الخطب العظيم ، إذا شجعته على مباشرته وقالت له : إنك تطيقه وما فوقه فتعرّض له ولا تبال به ، على معنى : أنها وقعة لا تطاق شدّة وفظاعة . وأن لا نفس حينئذٍ تحدث صاحبها بما تحدثه به عند عظائم الأمور وتزين له احتمالها وإطاقتها ، لأنهم يومئذٍ أضعف من ذلك وأذل . ألا ترى إلى قوله تعالى : { كالفراش المبثوث } [ القارعة : 4 ] والفراش مثل في الضعف . وقيل : { كَاذِبَةٌ } مصدر كالعاقبة بمعنى التكذيب ، من قولك : حمل على قرنه فما كذب ، أي : فما جبن وماتثبط . وحقيقته : فما كذب نفسه فيما حدثته به . من إطاقته له وإقدامه عليه . قال زهير :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . إذَا *** مَا اللَّيْثُ كَذَّبَ عَنْ أَقْرَانِهِ صَدَقَا

أي : إذا وقعت لم تكن لها رجعة ولا ارتداد .