{ 77 - 82 } { أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا * وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا }
أي : أفلا تتعجب من حالة هذا الكافر ، الذي جمع بين كفره بآيات الله ودعواه الكبيرة ، أنه سيؤتى في الآخرة مالا وولدا ، أي : يكون من أهل الجنة ، هذا من أعجب الأمور ، فلو كان مؤمنا بالله وادعى هذه الدعوى ، لسهل الأمر .
وهذه الآية -وإن كانت نازلة في كافر معين- فإنها تشمل كل كافر ، زعم أنه على الحق ، وأنه من أهل الجنة .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، عن خباب بن الأرت قال : كنت رجلا قينًا ، وكان لي على العاص بن وائل دين ، فأتيته أتقاضاه . فقال : لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد{[19109]} [ فقلت : لا والله لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ]{[19110]} حتى تموت ثم تبعث . قال : فإني إذا مت ثم بعثت جئتني ولي ثم مال وولد ، فأعطيتك ، فأنزل الله : { أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا } إلى قوله : { وَيَأْتِينَا فَرْدًا } .
أخرجه صاحبا الصحيح وغيرهما ، من غير وجه ، عن الأعمش به{[19111]} ، وفي لفظ البخاري : كنت قينًا بمكة ، فعملت للعاص بن وائل سيفًا ، فجئت أتقاضاه . فذكر الحديث وقال : { أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا } قال : موثقًا .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي الضُّحَى ، عن مسروق قال : قال خَبَّاب بن الأرت ، كنت قينًا بمكة ، فكنت أعمل للعاص بن وائل ، قال : فاجتمعت لي عليه دراهم ، فجئت لأتقاضاه{[19112]} ، فقال لي : لا أقضيك{[19113]} حتى تكفر بمحمد . فقلت : لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث . قال : فإذا بعثت كان لي مال وولد . قال : فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله : { أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا } إلى قوله : { وَيَأْتِينَا فَرْدًا }{[19114]} .
وقال العَوْفِيّ عن ابن عباس : إن رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يطلبون العاص بن وائل السهمي بدين ، فأتوه يتقاضونه ، فقال : ألستم تزعمون أن في الجنة ذهبًا وفضة وحريرًا ، ومن كل الثمرات ؟ قالوا : بلى . قال : فإن موعدكم{[19115]} الآخرة ، فوالله لأوتين مالا وولدًا ، ولأوتين مثل كتابكم الذي جئتم به . فضرب الله مثله في القرآن فقال{[19116]} { أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا } إلى قوله : { وَيَأْتِينَا فَرْدًا }
وهكذا قال مجاهد ، وقتادة ، وغيرهم : إنها نزلت في العاص بن وائل .
وقوله : { لأوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا } قرأ بعضهم بفتح " الواو " من " ولدا " وقرأ آخرون بضمها ، وهو بمعناه ، قال رؤبة :
الحمْدُ للهِ العزيز فَرْدًا *** لَمْ يتخذ مِنْ وُلْد شيء وُلْدا{[19117]}
وَلَقَد رأيتُ معَاشرًا *** قد تمرُوا مالا وَولْدا{[19118]}
فَلَيت فُلانًا كانَ في بَطْن أمه *** وَليتَ فُلانًا كان وُلْد حِمَار{[19119]}
وقيل : إن " الوُلْد " بالضم جمع ، " والوَلَد " بالفتح مفرد ، وهي لغة قيس ، والله أعلم .
{ أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا } نزلت في العاص بن وائل كان لخباب عليه مال فتقاضاه فقال له : لا حتى تكفر بمحمد فقال : لا والله لا أكفر بمحمد حيا ولا ميتا ولا حين تبعث ، قال فإذا بعثت جئتني فيكون لي ثم مال وولد فأعطيك . ولما كانت الرؤية أقوى سند الإخبار استعمل أرأيت بمعنى الإخبار ، والفاء أصلها في التعقيب والمعنى : أخبر بقصة هذا الكافر عقب حديث أولئك . وقرأ حمزة والكسائي " ولدا " وهو جمع ولد كأسد في أسد أو لغة فيه كالعرب والعرب .
وقوله { أفرأيت الذي كفر } الآية ، الفاء في قوله { أفرأيت } عاطفة بعد ألف الأستفهام وهي عاطفة جملة على جملة ، و { الذي كفر } يعني به العاصي بن وائل السهمي ، قاله جمهور المفسرين ، وكان خبره أن خباب بن الأرت كان قيناً{[8030]} في الجاهلية فعمل له عملاً واجتمع له عنده فجاءه يتقاضاه فقال له العاصي لا أنصفك حتى تكفر بمحمد ، فقال خباب : لا أكفر بمحمد حتى يمييتك الله ثم يبعثك ، قال العاصي : أو مبعوث أنا بعد الموت ؟ قال خباب نعم ، قال : فإنه إذا كان ذلك فسيكون لي مال وولد وعند ذلك أقضيك دينك ، فنزلت الآية في ذلك{[8031]} ، وقال الحسن نزلت الآية في الوليد بن المغيرة المخزومي وقد كانت للوليد أيضاً أقوال تشبه هذا الغرض ، وقرأ ابن كثير وابو عمرو «وولَداً » على معنى اسم الجنس بفتح الواو واللام وكذلك في سائر ما في القرآن إلا في سورة نوح{[8032]} { ماله وولده } [ نوح : 21 ] فإنما قرأ بضم الواو وسكون اللام ، وقرأ نافع وعاصم وابن عامر بفتح الواو في كل القرآن ، وقرأ حمزة والكسائي «ووُلْداً » بضم الواو وسكون اللام وكذلك في جميع القرآن ، وقرأ ابن مسعود «وِلْداً » بكسر الواو وسكون اللام ، واختلف مع ضم الواو فقال بعضهم : هو جمع «ولد كأسد وأسد » واحتجوا بقول الشاعر : [ مجزوء الكامل ]
فلقد رأيت معاشراً . . . قد ثمروا مالاً وولداً{[8033]}
وقال بعضهم هو بمعنى الولد واحتجوا بقول الشاعر : [ الطويل ]
فليت فلاناً كان في بطن أمه . . . وليت فلاناً كان ولد حمار{[8034]}
قال أبو علي في قراءة حمزة والكسائي ما كان منه مفرداً قصد به المفرد ، وما كان منه جمعاً قصد الجمع ، وقال الأخفش : الولد الابن والابنة ، والولد : الأهل والوالد ، وقال غيره : والولد بطن الذي هو منه ، حكاه أبو علي في الحجة .