إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أَفَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِـَٔايَٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالٗا وَوَلَدًا} (77)

{ أَفَرَأَيْتَ الذي كَفَرَ بآياتنا } أي بآياتنا التي من جملتها آياتُ البعث ، نزلت في العاص بنِ وائلٍ كان لخبّابٍ بنِ الأرتّ عليه مالٌ فاقتضاه فقال : لا ، حتى تكفرَ بمحمد ، قال : لا والله لا أكفرُ به حياً ولا ميْتاً ولا حين بُعِثتُ ، قال : فإذا بُعثت جئني فيكونُ لي ثمّةَ مالٌ وولدٌ فأعطِيَك ، وفي رواية قال : لا أكفر به حتى يُميتك ثم تُبعثَ ، فقال : إني لميِّتٌ ثم مبعوثٌ ؟ قال : نعم ، قال : دعني حتى أموتَ وأُبعث فسأوتى مالاً وولداً فأقضيَك فنزلت . فالهمزةُ للتعجيب من حاله والإيذانِ بأنها من الغرابة والشناعةِ بحيث يجب أن تُرى ويُقضَى منها العجب ، ومن فرّق بين ألم ترَ و أرأيتَ بعد بيان اشتراكِهما في الاستعمال لقصد التعجيبِ بأن الأولَ يعلّق بنفس المتعجبِ منه ، فيقال : ألم ترَ إلى الذي صنع كذا بمعنى انظُرْ إليه فتعجَّبْ من حاله ، والثاني يعلّق بمثل المتعجَّب منه ، فيقال : أرأيتَ مثْلَ الذي صنع كذا بمعنى أنه من الغرابة بحيث لا يُرى له مِثْلٌ فقد حفِظ شيئاً وغابت عنه أشياءُ ، وكأنه ذهب عليه قوله عز وجل : { أرأيت الذي يُكَذّبُ بالدين } والفاءُ للعطف على مقدّر يقتضيه المقام أي أنظَرْتَ فرأيتَ الذي كفر بآياتنا الباهرةِ التي حقُّها أن يؤمِنَ بها كلُّ من يشاهدها { وَقَالَ } مستهزئاً بها مصدّراً لكلامه باليمين الفاجرةِ : والله { لأُوتَيَنَّ } في الآخرة { مَالاً وَوَلَدًا } أي انظُر إليه فتعجّبْ من حالته البديعةِ وجُرْأتِه الشنيعة ، هذا هو الذي يستدعيه جزالةُ النظمِ الكريم وقد قيل : إن أرأيت بمعنى أخبِرْ والفاءُ على أصلها والمعنى أخبِرْ بقصة هذا الكافرِ عقيبَ حديثِ أولئك الذين قالوا :

{ أي الفريقين خَيْرٌ مَّقَاماً } الآية ، وأنت خبيرٌ بأن المشهورَ استعمالُ أرأيت في معنى أخبرني بطريق الاستفهامِ جارياً على أصله أو مُخْرَجاً إلى ما يناسبه من المعاني لا بطريق الأمر بالإخبار لغيره ، وقرئ وُلْداً على أنه جمع وَلد كأُسْد جمعُ أسد أو على لغة فيه كالعُرْب والعَرَب .