قوله تعالى : " أفرأيت الذي كفر بآياتنا " روى الأئمة واللفظ لمسلم عن خباب قال : كان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه ، فقال لي : لن أقضيك حتى تكفر بمحمد قال : قلت له لن أكفر به حتى تموت ثم تبعث . قال : وإني لمبعوث من بعد الموت ؟ ! فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مال وولد . قال وكيع : كذا قال الأعمش ، فنزلت هذه الآية : " أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا إلى قوله " ويأتينا فردا " في رواية قال كنت قينا{[10938]} في الجاهلية ، فعملت للعاص بن وائل عملا ، فأتيته أتقاضاه خرجه البخاري أيضا . وقال الكلبي ومقاتل : كان خباب قينا فصاغ للعاص حليا ثم تقاضاه أجرته فقال العاص : ما عندي اليوم ما أقضيك ، فقال خباب : لست بمفارقك حتى تقضيني ، فقال العاص : يا خباب ما لك ؟ ! ما كنت هكذا ، وأن كنت لحسن الطلب . فقال خباب : إني كنت على دينك فأنا اليوم على دين الإسلام مفارق لدينك ، قال : أو لستم تزعمون أن في الجنة ذهبا وفضة وحريرا ؟ قال خباب : بلى ، قال فأخرني حتى أقضيك في الجنة - استهزاء فوالله لئن كان ما تقول حقا إني لأقضيك فيها ، فو الله لا تكون أنت يا خباب وأصحابك أولى بها مني ، فأنزل الله تعالى " أفرأيت الذي كفر بآياتنا " يعني العاص بن وائل الآيات " أطلع الغيب " قال ابن عباس :( أنظر في اللوح المحفوظ ) ؟ ! وقال مجاهد : أعلم الغيب حتى يعلم أفي الجنة هو أم لا ؟ ! " أم اتخذ عند الرحمن عهدا " قال قتادة والثوري : أي عملا صالحا . وقيل : هو التوحيد . وقيل : هو من الوعد . وقال الكلبي : عاهد الله تعالى أن يدخله الجنة ، " كلا " رد عليه أي لم يكن ذلك لم يطلع الغيب ، ولم يتخذ عند الرحمن عهدا وتم الكلام عند قول " كلا " وقال الحسن : إن الآيات نزلت في الوليد بن المغيرة ، والأول أصح لأنه مدون في الصحاح ، وقرأ حمزة والكسائي " وولدا " بضم الواو ، والباقون بفتحها . واختلف في الضم والفتح على وجهين : أحدهما : أنهما لغتان معناهما واحد يقال ولد وولد كما يقال عدم وعدم وقال الحرث بن حلزة :
ولقد رأيتُ معاشراً *** قد ثَمَّرُوا مالاً ووُلْداَ
فليتَ فلانا كان في بطن أُمِّهِ *** وليت فلانا كان وُلْدَ حمارِ
والثاني : أن قيسا تجعل الولد بالضم جمعا والولد بالفتح واحدا . قال الماوردي : وفي قوله تعالى " لأوتين مالا وولدا " وجهان : أحدهما : أنه أراد في الجنة استهزاء بما وعد الله تعالى على طاعته وعبادته ، قاله الكلبي . الثاني : أنه أراد في الدنيا ، وهو قول الجمهور وفيه وجهان محتملان : أحدهما : إن أقمت على دين آبائي وعبادة آلهتي لأوتين مالا وولدا . الثاني : ولو كنت على باطل لما أوتيت مالا وولدا .
قلت : قول الكلبي أشبه بظاهر الأحاديث ، بل نصها يدل على ذلك قال مسروق سمعت خباب بن الأرت يقول : جئت العاصي بن وائل السهمي أتقاضاه حقا عنده فقال : لا أعطيك حتى تكفر بمحمد ، فقلت : لا حتى تموت ثم تبعث ، قال : وإني لميت ثم مبعوث ؟ ! فقلت : نعم فقال : إن لي هناك مالا وولدا ، فأقضيك فنزلت [ أفرأيت الذي كفر بآياتنا{[10939]} ] الآية ، قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح .
قوله تعالى : " أطلع الغيب " ألفه ألف استفهام لمجيء " أم " بعدها ومعناه التوبيخ وأصله أأطلع فحذفت الألف الثانية ؛ لأنها ألف وصل ، فإن قيل : فهلا أتوا بمدة بعد الألف ، فقالوا : آطلع كما قالوا " آلله خير{[10940]} " " آلذكرين حرم{[10941]} " قيل له : كان الأصل في هذا " أألله " " أألذكرين " فأبدلوا من الألف الثانية مدة ليفرقوا بين الاستفهام والخبر ، وذلك أنهم لو قالوا : الله خير بلا مد لالتبس الاستفهام بالخبر ، ولم يحتاجوا إلى هذه المدة في قوله " أطلع " لأن ألف الاستفهام مفتوحة وألف الخبر مكسورة وذلك أنك تقول في الاستفهام أطلع ؟ أفترى ؟ أصطفى ؟ أستغفرت ؟ بفتح الألف ، وتقول في الخبر : إطلع ، إفترى ، إصطفى ، إستغفرت لهم بالكسر ، فجعلوا الفرق بالفتح والكسر ، ولم يحتاجوا إلى فرق آخر
قوله تعالى : " كلا " ليس في النصف{[10942]} الأول ذكر " كلا " وإنما جاء ذكره في النصف الثاني ، وهو يكون بمعنيين : أحدهما : بمعنى حقا . والثاني : بمعنى لا ، فإذا كانت بمعنى حقا ، جاز الوقف على ما قبله ثم تبتدئ " كلا " أي حقا ، وإذا كانت بمعنى لا ، كان الوقف على " كلا " جائز كما في هذه الآية ؛ لأن المعنى لا ليس الأمر كذا ، ويجوز أن تقف عليه على قوله " عهدا " وتبتدئ " كلا " أي حقا " سنكتب ما يقول " وكذا قوله تعالى " لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا " {[10943]}[ المؤمنون : 100 ] يجوز الوقف على " كلا " وعلى " تركت " . وقوله " ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون{[10944]} قال كلا " الوقف على " كلا " لأن المعنى لا ، وليس الأمر كما تظن " فاذهبا " فليس للحق في هذا المعنى موضع . وقال الفراء " كلا " بمنزلة سوف ؛ لأنها صلة وهي حرف رد فكأنها " نعم " و " لا " في الاكتفاء قال : وإن جعلتها صلة لما بعدها لم تقف عليها كقولك : كلا ورب الكعبة ، لا تقف على كلا ؛ لأنه بمنزلة إي ورب الكعبة ، قال الله تعالى " كلا والقمر " {[10945]} [ المدثر : 32 ] فالوقف على " كلا " قبيح لأنه صلة لليمين وكان أبو جعفر محمد بن سعدان يقول في " كلا " مثل قول الفراء وقال الأخفش معنى كلا الردع والزجر ، وقال أبو بكر بن الأنباري : وسمعت أبا العباس يقول : لا يوقف على " كلا " في جميع القرآن ؛ لأنها جواب والفائدة تقع فيما بعدها ، والقول الأول هو قول أهل التفسير . " سنكتب ما يقول " أي سنحفظ عليه قوله فنجازيه به في الآخرة " ونمد له من العذاب مدا " أي سنزيده عذابا فوق عذاب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.