الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَفَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِـَٔايَٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالٗا وَوَلَدًا} (77)

قوله : { أَفَرَأَيْتَ } : عطفٌ بالفاء إيذاناً بإفادةِ التعقيبِ كأنه قيل : أَخْبَرَ أيضاً بقصة هذا الكافر عَقِيْبَ قصةِ أولئك . و " أَرَأَيْتَ " بمعنى أَخْبَرَني كما قد عَرَفْتَه . والموصولُ هو المفعول الأول ، والثاني هو الجملةُ الاستفهاميةُ مِنْ قولِه { أَطَّلَعَ الْغَيْبَ } و " لأُوْتَيَنَّ " جوابُ قسمٍ مضمرٍ ، والجملةُ القسميةُ كلُّها في محلِّ نصبٍ بالقول .

وقوله هنا : " وَوَلداً " وفيها { قَالُواْ اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً } [ مريم : 88 ، 91 ] . موضعان . وفي الزخرف { إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ } [ الآية : 81 ] وفي نوح { مَالُهُ وَوَلَدُهُ } [ الآية : 21 ] . قرأ الأربعةَ الأخَوان بضم الواو وسكونِ اللام . وافقهما ابن كثير وأبو عمرو . . . على الذي في نوحٍ دون السورتين ، والباقون وهم نافعٌ وابن عامر وعاصمٌ قرؤوا ذلك كلَّه بفتح الواو واللام .

فأمَّا القراءةُ بفتحتين فواضحةٌ وهو اسمٌ مفردٌ قائمٌ مقامَ الجمع . وأمَّا قراءةُ الضمِّ والإِسكانِ ، فقيل : هي كالتي قبلها في المعنى ، يقال : وَلَدَ ووُلْد ، كما يقال : عَرَب وعُرْب ، وعَدَمَ وعُدْم . وقيل : بل هي جمع لوَلَد نحو : أَسَد وأُسْد ، وأَنْشَدوا على ذلك :

ولقد رَأَيْتُ معاشراً *** قد ثَمَّروا مالاً وَوُلْدا

وأنشدوا شاهداً على أنَّ الوَلَدَ والوُلْد مترادِفان الآخر :

فَلَيْتَ فلاناً كان في بَطْنِ أمِّه *** وليت فلاناً كان وُلْدَ حمارِ

وقرأ عبد الله ويحيى بن يعمر " ووِلْدا " بكسر الواو ، وهي لغةٌ في الوَلَد ، ولا يَبْعُدُ أَنْ يكون هذا من باب الذَّبْح والرَّعْي ، فيكون وِلْدٌ بمعنى مَوْلود ، وكذلك في الذي بفتحتين نحو : القَبَض بمعنى المَقْبوض .