93- فلما رأي شعيب ما نزل بهم من الهلاك المدمر ، أعرض عنهم ، وقال مبرئاً نفسه من التقصير معهم : لقد أبلغتكم رسالات ربكم المفضية إلى الإحسان إليكم لو عملتم بها ، وبالغت في إسداء النصح لكم ، والعظة بما به تنجون من عقوبة الله ، فكيف أحزن الحزن الشديد على قوم كافرين ؟ لا يكون ذلك بعدما أعذرت إليهم ، وبذلت جهدي في سبيل هدايتهم ونجاتهم ، فاختاروا ما فيه هلاكهم .
فحين هلكوا تولى عنهم نبيهم شعيب عليه الصلاة والسلام { وَقَالَ ْ } معاتبا وموبخا ومخاطبا بعد موتهم : { يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي ْ } أي : أوصلتها إليكم ، وبينتها حتى بلغت منكم أقصى ما يمكن أن تصل إليه ، وخالطت أفئدتكم { وَنَصَحْتُ لَكُمْ ْ } فلم تقبلوا نصحي ، ولا انقدتم لإرشادي ، بل فسقتم وطغيتم .
{ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ ْ } أي : فكيف أحزن على قوم لا خير فيهم ، أتاهم الخير فردوه ولم يقبلوه ولا يليق بهم إلا الشر ، فهؤلاء غير حقيقين أن يحزن عليهم ، بل يفرح بإهلاكهم ومحقهم . فعياذا بك اللهم من الخزي والفضيحة ، وأي : شقاء وعقوبة أبلغ من أن يصلوا إلى حالة يتبرأ منهم أنصح الخلق لهم ؟ " .
أي : فتولى عنهم " شعيب " عليه السلام بعد ما أصابهم ما أصابهم من العذاب والنقمة والنكال ، وقال مقرعًا لهم وموبخًا : { يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ } أي : قد أديتُ إليكم ما أُرْسِلْت به ، فلا أسفة عليكم وقد كفرتم بما جئتم به ، ولهذا{[11975]} قال : { فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ } ؟ .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَتَوَلّىَ عَنْهُمْ وَقَالَ يَقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَىَ عَلَىَ قَوْمٍ كَافِرِينَ } . .
يقول تعالى ذكره : فأدبر شعيب عنهم شاخصا من بين أظهرهم حين أتاهم عذاب الله ، وقال لما أيقن بنزول نقمة الله بقومه الذين كذّبوه حزنا عليهم : يا قوم لَقَدْ أبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبّي وأدّيت إليكم ما بعثني به إليكم من تحذيركم غضبه على إقامتكم على الكفر به وظلم الناس أشياءهم . وَنَصَحْتُ لَكُمْ بأمري إياكم بطاعة الله ونهيكم عن معصيته . فَكَيْفَ آسَى يقول : فكيف أحزن على قوم جحدوا وحدانية الله وكذّبوا رسوله وأتوجع لهلاكهم ؟ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : فَكَيْفَ آسَى يعني : فكيف أحزن .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : فَكَيْفَ آسَى يقول : فكيف أحزن .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : أصاب شعيبا على قومه حزن لما يرى بهم من نقمة الله ، ثم قال يعزّي نفسه فيما ذكر الله عنه : يا قَوْمِ لَقَدْ أبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ .
{ فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم } قاله تأسفا بهم لشدة حزنه عليهم ثم أنكر على نفسه فقال { فكيف آسى على قوم كافرين } ليسوا أهل حزن لاستحقاقهم ما نزل عليهم بكفرهم ، أو قاله اعتذارا عن عدم شدة حزنه عليهم . والمعنى لقد بالغت في الإبلاغ والإنذار وبذلت وسعي في النصح والإشفاق فلم تصدقوا قولي ، فكيف آسى عليكم . وقرئ " فكيف أيسي " بإمالتين .
وقوله : { يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي } إلى آخر الآية كلام يقتضي أن { شعيباً } عليه السلام وجد في نفسه لما رأى هلاك قومه حزناً وإشفاقاً إذ كان أمله فيهم غير ذلك ، فلما وجد ذلك طلب أن يثير في نفسه سبب التسلي عنهم والقسوة عليهم فجعل يعدد معاصيهم وإعراضهم الذي استوجبوا به أن لا يتأسف عليهم ، فذكر أنه بلغ الرسالة ونصح ، والمعنى فأعرضوا وكذبوا ، ثم قال لنفسه لما نظرت في هذا وفكرت فيه { فكيف آسى } على هؤلاء الكفرة ، ويحتمل أن يقول هذه المقالة على نحو قول النبي صلى الله عليه وسلم لأهل قليب بدر ، وقال مكي : وسار شعيب بمن معه حتى سكن مكة إلى أن ماتوا بها ، و { آسى } : أحزن ، وقرأ بن وثاب وطلحة بن مصرف والأعمش : «إيسى » بكسر الهمزة وهي لغة كما يقال أخال وأيمن ، قال عبد الله ابن عمر لا أخاله ، وقال ابنه عبد الله بن عبد الله بن عمر في كتاب الحج لا أيمن وجميع ذلك في البخاري ، وهذه اللغة تطرد في العلامات الثلاث ، همزة التكلم ونون الجماعة وتاء المخاطبة ، ولا يجوز ذلك في ياء الغائب كذا قال سيبويه ، وأما قولهم من جل ييجل فلعله من غير هذا الباب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.