المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعۡضَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بَعۡضَۢا بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (129)

129- وكما متَّعنا عصاة الإنس والجن بعضهم ببعض ، فجعل بعض الظالمين أولياء لبعض بسبب ما يكتسبون من كبائر .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعۡضَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بَعۡضَۢا بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (129)

{ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } أي : وكما ولَّيْنَا الجن المردة وسلطناهم على إضلال أوليائهم من الإنس وعقدنا بينهم عقد الموالاة والموافقة ، بسبب كسبهم وسعيهم بذلك .

كذلك من سنتنا أن نولي كل ظالم ظالما مثله ، يؤزه إلى الشر ويحثه عليه ، ويزهده في الخير وينفره عنه ، وذلك من عقوبات الله العظيمة الشنيع أثرها ، البليغ خطرها .

والذنب ذنب الظالم ، فهو الذي أدخل الضرر على نفسه ، وعلى نفسه جنى { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } ومن ذلك ، أن العباد إذا كثر ظلمهم وفسادهم ، ومنْعهم الحقوق الواجبة ، ولَّى عليهم ظلمة ، يسومونهم سوء العذاب ، ويأخذون منهم بالظلم والجور أضعاف ما منعوا من حقوق الله ، وحقوق عباده ، على وجه غير مأجورين فيه ولا محتسبين .

كما أن العباد إذا صلحوا واستقاموا ، أصلح الله رعاتهم ، وجعلهم أئمة عدل وإنصاف ، لا ولاة ظلم واعتساف . ثم وبخ الله جميع من أعرض عن الحق ورده ، من الجن والإنس ، وبين خطأهم ، فاعترفوا بذلك ، فقال :

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعۡضَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بَعۡضَۢا بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (129)

قال سعيد ، عن قتادة في تفسيرها : وإنما يولي الله{[11217]} الناس بأعمالهم ، فالمؤمن ولي المؤمن أين كان وحيث كان ، والكافر ولي الكافر أينما كان وحيثما كان ، ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي . واختاره{[11218]} ابن جرير .

وقال معمر ، عن قتادة في تفسيرها : { نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا } في النار ، يتبع بعضهم بعضا .

وقال مالك بن دينار : قرأت في الزبور : إني أنتقم من المنافقين بالمنافقين ، ثم أنتقم من المنافقين جميعا ، وذلك في كتاب الله قوله تعالى{[11219]} { وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا }

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : { وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا } قال : ظالمي الجن وظالمي الإنس ، وقرأ : { وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [ الزخرف : 36 ] ، قال : ونسلط{[11220]} ظلمة الجن على ظلمة الإنس .

وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الباقي بن أحمد ، من طريق سعيد بن عبد الجبار الكرابيسي ، عن حماد بن سلمة ، عن عاصم ، عن زِرِّ ، عن ابن مسعود مرفوعا : " من أعان ظالما سلطه الله عليه " {[11221]} .

وهذا حديث غريب ، وقال بعض الشعراء :

وما مِن يَد إلا يدُ الله فوقها *** ولا ظالم إلا سَيُبلى بظالم

ومعنى الآية الكريمة : كما ولينا هؤلاء الخاسرين من الإنس تلك الطائفة التي أغْوَتهم من الجن ، كذلك نفعل بالظالمين ، نسلط بعضهم على بعض ، ونهلك بعضهم ببعض ، وننتقم من بعضهم ببعض ، جزاء على ظلمهم وبغيهم .


[11217]:في م: "يولي الله بين".
[11218]:في م، أ: "واختار هذا القول".
[11219]:في م، أ: "قول الله تعالى".
[11220]:في أ: "وسلط".
[11221]:ذكره ابن منظور في مختصر تاريخ دمشق (14/153) ورجاله ثقات، وعاصم فيه كلام يسير.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعۡضَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بَعۡضَۢا بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (129)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ نُوَلّي بَعْضَ الظّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } .

اختلف أهل التأويل في تأويل نُوَلّي فقال بعضهم : معناه : نجعل بعضهم لبعض وليّا على الكفر بالله . ذكر من قال ذلك :

حدثنا يونس ، قال : حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وكذلكَ نُوَلّي بَعْضَ الظّالِمِينَ بَعْضا بِمَا كانُوا يَكْسِبُونَ وإنما يولّي الله بين الناس بأعمالهم . فالمؤمن وليّ المؤمن أي كان وحيث كان ، والكافر وليّ الكافر أينما كان وحيثما كان . ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحّلي .

وقال آخرون : معناه : نُتْبع بعضهم بعضا في النار من الموالاة ، وهو المتابعة بين الشيء والشيء ، من قول القائل : واليت بين كذا وكذا : إذا تابعت بينهما . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وكذلكَ نُوَلّي بعَضَ الظّالِمِينَ بَعْضا في النار يتبع بعضهم بعضا .

وقال آخرون : معنى ذلك : نسلط بعض الظلمة على بعض . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وكذلكَ نُوَلّي بَعْضَ الظّالِمِينَ بَعْضا قال : ظالمي الجن وظالمي الإنس . وقرأ : وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرّحْمَنِ نُقَيّضْ لَهُ شَيْطانا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ قال : نسلط ظلمة الجنّ على ظلمة الإنس .

وأولى هذه الأقوال في تأويل ذلك بالصواب ، قول من قال : معناه : وكذلك نجعل بعض الظالمين لبعض أولياء . لأن الله ذكر قبل هذه الاَية ما كان من قول المشركين ، فقال جلّ ثناؤه : وَقالَ أوْلِياؤُهُم مِنَ الإنْسِ رَبّنا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ ، وأخبر جلّ ثناؤه أن بعضهم أولياء بعض ، ثم عقّب خبره ذلك بخبره عن أن ولاية بعضهم بعضا بتوليته إياهم ، فقال : وكما جعلنا بعض هؤلاء المشركين من الجنّ والإنس أولياء بعض يستمتع بعضهم ببعض ، كذلك نجعل بعضهم أولياء بعض في كلّ الأمور بما كانوا يكسبون من معاصي الله ويعملونه .