اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعۡضَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بَعۡضَۢا بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (129)

قوله : " وكَذَلِك نُوَلِّي " أي : كما خَذَلْنَا عُصَاة الإنْس والجِنِّ حتى اسْتَمْتَع بعضُهم ببَعْصٍ ، كذلك نَكِلُ بَعْضَهُم إلى بَعْض في النُّصْرة والمعُونة وقيل : نُسَلِّط بَعْضُهم على بَعْضِ ، فَيَأخذ من الظَّالم بالظَّالم ؛ كما جاء " من أعَان ظالماً ، سَلَّطه اللَّهُ عليه " .

قال قتادة : نجعل بَعْضَهُم أولياء لِبَعْضٍ ، فالمؤمِنُ ولي المؤمن أين كان ، والكَافِرُ ولِيُّ الكافِر حَيْثُ كان{[15211]} .

وروى مَعْمَر عن قتادة : يتبع بَعْضُهم بَعْضاً في النَّارِ من المْولاة{[15212]} .

وقيل : مَعْنَاه : نُولي ظلمَة الجِنِّ ظلمة الإنْس ، ونُولي ظلَمَة الإنْس ظلممَة الجِنِّ ، أي : نَكِل بَعْضَهم إلى بَعْضٍ ؛ كقوله -تبارك وتعالى- : { نُوَلِّهِ مَا تولّى } [ النساء : 115 ] فهي نَعْتٌ لمَصْدَر مَحْذُوف ، أو في محلِّ رَفْعٍ ، أي : الأمَرُ مثل تَوْلِيَة الظالمين ، وهو رَأيُ الزَّجَّاج في غَيْر مَوْضِع .

وروى الكَلْبِيُّ عن أبي صالح في تفْسيرها : هو أنَّ الله -تبارك وتعالى- إذا أرادَ بقوم خَيْراً ولَّى أمرهم خِيَارَهُم ، وإذا أرَادَ بِقَوْم شَرّاً وَلَّى أمْرَهم شرارهُم{[15213]} .

وروى مَالِك بن دينارٍ قال جَاءَ في [ بَعْضِ ] كتب الله المنزّلة أنَّا الله مَالِك المُلُوك ، قُلُوب المُلُوكِ بِيَدي ، فمن أطاعَنِي ، جَعَلْتُهُم عليه رَحْمَة ، ومن عَصَانِي جَعَلْتُهم عليه نِقْمَة ، لا تَشْغَلُوا أنْفُسَكُم بسبب المُلُوكِ ، لكن تُوبُوا إليّ أعَطِّفُهم عليكم .

وقوله : بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ " تقدَّم نظيره .


[15211]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (5/344) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/85) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الشيخ.
[15212]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (5/344) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/85) وعزاه لعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الشيخ.
[15213]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/86) وعزاه لأبي الشيخ من طريق منصور بن أبي الأسود عن الأعمش بمعناه.