ثم ذكر الفريق الثاني فقال : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } أي : جمعوا بين الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ، وعمل الصالحات من الواجبات والمستحبات { إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا } وإحسان العمل : أن يريد العبد العمل لوجه الله ، متبعا في ذلك شرع الله . فهذا العمل لا يضيعه الله ، ولا شيئا منه ، بل يحفظه للعاملين ، ويوفيهم من الأجر ، بحسب عملهم وفضله وإحسانه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم ذكر مصير المؤمنين، فقال سبحانه: {إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا}، يقول: لا نضيع أجر من أحسن العمل، ولكنا نجزيه بإحسانه.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: إن الذين صدقوا الله ورسوله، وعملوا بطاعة الله، وانتهوا إلى أمره ونهيه، إنا لا نضيع ثواب من أحسن عملاً، فأطاع الله، واتبع أمره ونهيه، بل نجازيه بطاعته وعمله الحسن جنات عدن تجري من تحتها الأنهار...
اعلم أنه تعالى لما ذكر وعيد المبطلين أردفه بوعد المحقين وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قوله: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات} يدل على أن العمل الصالح مغاير للإيمان لأن العطف يوجب المغايرة.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
فكأنه قيل: فما لمن آمن؟ فقال تعالى: {إن الذين ءامنوا} ولما كان الإيمان هو الإذعان للأوامر، عطف عليه ما يحقق ذلك فقال تعالى: {وعملوا الصالحات} ثم عظم جزاءهم بقوله تعالى: {إنا لا نضيع} أي بوجه من الوجوه لما يقتضيه عظمتنا {أجر من أحسن عملاً} مشيراً بإظهار ضميرهم إلى أنهم استحقوا بذلك الوصف بالإحسان.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جملة مستأنفة استئنافاً بيانياً مراعى فيه حال السامعين من المؤمنين، فإنهم حين يسمعون ما أعد للمشركين تتشوف نفوسهم إلى معرفة ما أعد للذين آمنوا ونبذوا الشرك فأعلِموا أن عملهم مرعي عند ربهم. وجريا على عادة القرآن في تعقيب الوعيد بالوعد والترهيب بالترغيب. وافتتاح الجملة بحرف التوكيد (إن) لتحقيق مضمونها. وإعادةُ حرف (إن) في الجملة المخبر بها عن المبتدأ الواقع في الجملة الأولى لمزيد العناية والتحقيق... والإضاعة: جعل الشيء ضائعاً. وحقيقة الضيعة: تلف الشيء من مظنة وجوده. وتطلق مجازاً على انعدام الانتفاع بشيء موجود فكأنه قد ضاع وتلف، قال تعالى: {أني لا أضيع عَمَل عامل منكم} في سورة آل عمران (195)، وقال: {وما كان الله ليُضِيع إيمانكم} في البقرة (143). ويطلق على منع التمكين من شيء والانتفاع به تشبيهاً للممنوع بالضائع في اليأس من التمكن منه كما في هذه الآية، أي أنا لا نَحْرم من أحسن عملاً أجرَ عمله. ومنه قوله تعالى: {إنّ الله لا يضيع أجر المحسنين} [التوبة: 120]...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
جعل الله تعالى سبب ما يستقبلهم من النعيم أمريْن: الأمر الأول: إيمان صادق وإخلاص يعمر القلوب فإنه لا ثواب من غير قلب منيب. الأمر الثاني: عمل صالح نافع بأداء ما أمر الله به واجتناب ما نهى الله عنه في استقامة قلب، وكمال قصد واتجاه إلى النفع. ويلاحظ هنا أنه أظهر في موضع الإضمار فلم يقل إنا لا نضيع أجرهم، بذكر الضمير الذي يربط بين المبتدأ والخبر، بل أظهر بالموصول، فقال: {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا}، لبيان أن استحقاقه الأجر بسبب إحسان العمل وإتقانه، وقد أكد الجزاء وأنه لا يضيع عملا، ولا يظلم الناس أشياءهم في قوله: {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا} أكّد الكلام ب (إن) وبإضافة الجزاء إليه جل جلاله. هنا ذكر الجزاء مبهما، أو ذكره سلبيا، بأنه سبحانه وتعالى لا يَحْرِمُهم من حقوقهم، ولا يضيع عليهم أجورهم...
وليكن في الاعتبار أن المتكلم رب حكيم، ما من حرف من كلامه إلا وله مغزى، ووراءه حكمة، ذلك أنه تعالى لما تكلم عن الإيمان جعله اختياراً خاضعاً لمشيئة العبد، لكنه تعالى رجح أن يكون الإيمان أولاً وأن يسبق الكفر. أما حينما يتكلم عن حكم كل منهما، فقد بدأ بحكم الكفر من باب أن "درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة"...
وهنا نلاحظ أن الحق سبحانه عطف على الإيمان العمل الصالح؛ لأن الإيمان هو العقيدة التي ينبع عن أصلها السلوك، فلا جدوى من الإيمان بلا عمل بمقتضى هذا الإيمان، وفائدة الإيمان أن توثق الأمر أو النهي إلى الله الذي آمنت به؛ لذلك جاء الجمع بين الإيمان والعمل الصالح في مواضع عدة من كتاب الله... ثم يقول تعالى: {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً}: نلاحظ أن (من) هنا عامة للمؤمن والكافر؛ لذلك لم يقل سبحانه: إنا لا نضيع أجر من أحسن الإيمان؛ لأن العامل الذي يحسن العمل قد يكون كافراً، ومع ذلك لا يبخسه الله تعالى حقه، بل يعطيه حظه من الجزاء في الدنيا. فالكافر إن اجتهد وأحسن في علم أو زراعة أو تجارة لا يحرم ثمرة عمله واجتهاده، لكنها تعجل له في الدنيا وتنتهي المسألة حيث لا حظ له في الآخرة...
والإنسان إنما يطلب أجره ممن عمل من أجله، وهؤلاء ما عملوا لله بل للإنسانية وللمجتمع وللشهرة وقد نالوا هذا كله في الدنيا، ولم يبق لهم شيء في الآخرة...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} واختاروا الإيمان من موقع فكرهم، وحوّلوه إلى موقف وممارسة من خلال جدّيتهم في حركة المسؤولية، {إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} اتخذ لنفسه الموقف الصحيح المتوازن في العمل الأحسن المرتكز على الفكر الأفضل. وبذلك كان يمثل العامل الكادح في الحياة المسؤولة، الذي كان كدحه لربّه في المستوى الذي يستحق عليه الأجر العظيم منه، وهو ما يحفظه الله له في حساب الثواب والرضوان في يوم القيامة...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وبما أنَّ أُسلوب القرآن أُسلوب تربوي وتطبيقي، فإنَّهُ بعدما بيّن أوصاف وجزاء عبيد الدنيا، ذكر حال المؤمنين الحقيقيين وجوائزهم الثمينة الغالية التي تنتظرهم جزاء ما فعلوا. لقد أجملت الآية كل ذلك بشكل مُختصر، ثمّ بشكل تفصيلي نوعاً ما. ففي البدء قال تعالى: (إِنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنّا لا نضيع أجر مَن أحسن عملا) أي إِنّنا لا نضيع أعمال العاملين قليلة كانت أو كثيرة، كُلية أو جزئية، ومَن أي شخص وفي أي عُمر كان...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.