{ 56 - 61 } { وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى * قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى * قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى * فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى * قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى }
يخبر تعالى ، أنه أرى فرعون من الآيات والعبر والقواطع ، جميع أنواعها العيانية ، والأفقية والنفسية ، فما استقام ولا ارعوى ، وإنما كذب وتولى ، كذب الخبر ، وتولى عن الأمر والنهي ، وجعل الحق باطلا ، والباطل حقا ، وجادل بالباطل ليضل الناس ،
وللتذكير بالأرض هنا مناسبة في مشهد الحوار مع فرعون الطاغية المتكبر ، الذي يتسامى إلى مقام الربوبية ؛ وهو من هذه الأرض وإليها ! وهو شيء من الأشياء التي خلقها الله في الأرض وهداها إلى وظيفتها . . ( ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى )أريناه الآيات الكونية التي وجهه إليها موسى - عليه السلام - فيما حوله ، وآيتي العصا واليد يجملهما هنا لأنهما بعض آيات الله ، وما في الكون منها أكبر وأبقى . لذلك لا يفصل السياق هنا عرض هاتين الآيتين على فرعون ، فهذا مفهوم ضمنا ، إنما يفصل رده على الآيات كلها فنفهم أنه يشير إليهما . .
وقوله تعالى { ولقد أريناه } إخبار لمحمد صلى الله عليه وسلم عن فرعون ، وهذا يؤيد أن الكلام من قوله { فأخرجنا } إنما هو خطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقوله { كلها } عائد على الآيات التي رآها لا أنه رأى كل آية لله ، وإنما المعنى أن الله تعالى أراه آيات ، ما بكما لها فأضاف الآيات إلى ضمير العظمة تشريفاً لها ، وقوله تعالى : { وأبى } يقتضي تكسب فرعون وهذا هو الذي يتعلق به الثواب والعقاب .
رجوع إلى قصص موسى عليه السلام مع فرعون . وهذه الجملة بين الجمل التي حكت محاورة موسى وفرعون وقعت هذه كالمقدمة لإعادة سَوق ما جرى بين موسى وفرعون من المحاورة . فيجوز أن تكون الجملة معطوفة على جملة : { قال فمن ربكما يا موسى } [ طه : 49 ] باعتبار ما يقدّر قبل المعطوف عليها من كلام حذف اختصاراً ، تقديره : فأتيَاهُ فقالاَ ما أمرناهما أن يقولاه قال فمن ربّكما الخ . المعنى : فأتياه وقالا ما أمرناهما وأريناه آياتنا كلها على يد موسى عليه السلام .
ويجوز أن تكون الجملة معترضة بين ما قبلها ، والواو اعتراضيّة .
وتأكيد الكلام بلام القسم و ( قد ) مستعمل في التعجيب من تصلّب فرعون في عناده ، وقصد منها بيان شِدّته في كفره وبيان أن لموسى آيات كثيرة أظهرها الله لفرعون فلم تُجْد في إيمانه .
وأجملت وعُممت فلم تفصل ، لأنّ المقصود هنا بيان شدّة تصلبه في كفره بخلاف آية سورة الأعراف التي قصد منها بيان تعاقب الآيات ونصرتها .
وإراءة الله إياه الآيات : إظهارها له بحيث شاهدها .
وإضافة ( آيات ) إلى ضمير الجلالة هنا يفيد تعريفاً لآيات معهودة ، فإن تعريف الجمع بالإضافة يأتي لما يأتي له التعريف باللاّم يكون للعهد ويكون للاستغراق ، والمقصود هنا الأول ، أي أرينا فرعون آياتنا التي جرت على يد موسى ، وهي المذكورة في قوله تعالى : { في تسع آيات إلى فرعون وقومه } [ النمل : 12 ] . وهي انقلاب العصا حيّة ، وتبدّل لون اليد بيضاء ، وسِنُو القحط ، والجراد ، والقُمَّل ، والضفادع ، والدم ، والطوفان ، وانفلاق البحر . وقد استمر تكذيبه بعد جميعها حتى لما رأى انفلاق البحر اقتحمه طمعاً للظفر ببني إسرائيل .
وتأكيد الآيات بأداة التوكيد { كُلَّها } لزيادة التعجيب من عناده . ونظيره قوله تعالى : { ولقد جاء آل فرعون النذر كذبوا بآياتنا كلها } في سورة القمر ( 41 ، 42 ) .
وظاهر صنيع المفسرين أنهم جعلوا جملة ولَقَدْ أريناهُ ءاياتنا } عطفاً على جملة { قال فمن ربكما يا موسى } [ طه : 49 ] ، وجملة { قال فمن ربكما بياناً لجملة فَكَذَّبَ وأبى } . فيستلزم ذلك أن يكون عزم فرعون على إحضار السحرة متأخّراً عن إرادة الآيات كلها فوقعوا في إشكال صحة التعميم في قوله تعالى : { آياتِنَا كُلَّهَا } وكيف يكون ذلك قبل اعتراف السحرة بأنهم غلبوا مع أن كثيراً من الآيات إنما ظهر بعد زمن طويل مثل : سني القحط ، والدم ، وانفلاق البحر . وهذا الحمل لا داعي إليه لأنّ العطف بالواو لا يقتضي ترتيباً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.