وذلك بسبب أنهم { هُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ } الذي أفضله وأطيبه كلمة الإخلاص ، ثم سائر الأقوال الطيبة التي فيها ذكر الله ، أو إحسان إلى عباد الله ، { وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ } أي : الصراط المحمود ، وذلك ، لأن جميع الشرع كله محتو على الحكمة والحمد ، وحسن المأمور به ، وقبح المنهي عنه ، وهو الدين الذي لا إفراط فيه ولا تفريط ، المشتمل على العلم النافع والعمل الصالح . أو : وهدوا إلى صراط الله الحميد ، لأن الله كثيرا ما يضيف الصراط إليه ، لأنه يوصل صاحبه إلى الله ، وفي ذكر { الحميد } هنا ، ليبين أنهم نالوا الهداية بحمد ربهم ومنته عليهم ، ولهذا يقولون في الجنة : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ } واعترض تعالى بين هذه الآيات بذكر سجود المخلوقات له ، جميع من في السماوات والأرض ، والشمس ، والقمر ، والنجوم ، والجبال ، والشجر ، والدواب ، الذي يشمل الحيوانات كلها ، وكثير من الناس ، وهم المؤمنون ، { وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ } أي : وجب وكتب ، لكفره وعدم إيمانه ، فلم يوفقه للإيمان ، لأن الله أهانه ، { وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ } ولا راد لما أراد ، ولا معارض لمشيئته ، فإذا كانت المخلوقات كلها ساجدة لربها ، خاضعة لعظمته ، مستكينة لعزته ، عانية لسلطانه ، دل على أنه وحده ، الرب المعبود ، والملك المحمود ، وأن من عدل عنه إلى عبادة سواه ، فقد ضل ضلالا بعيدا ، وخسر خسرانا مبينا .
ثم مشهد من مشاهد القيامة يتجلى فيه الإكرام والهوان ، في صورة واقع يشهد كأنه معروض للعيان :
هذا خصمان اختصموا في ربهم . فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار ، يصب من فوق رؤوسهم الحميم ، يصهر به ما في بطونهم والجلود ؛ ولهم مقامع من حديد ، كلما أرادوا أن يخرجوا منها - من غم - أعيدوا فيها . وذوقوا عذاب الحريق . إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ، يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير .
إنه مشهد عنيف صاخب ، حافل بالحركة ، مطول بالتخييل الذي يبعثه في النفس نسق التعبير . فلا يكاد الخيال ينتهي من تتبعه في تجدده . .
هذه ثياب من النار تقطع وتفصل ! وهذا حميم ساخن يصب من فوق الرؤوس ، يصهر به ما في البطون والجلود عند صبه على الرؤوس ! وهذه سياط من حديد أحمته النار . . وهذا هو العذاب يشتد ، ويتجاوز الطاقة ، فيهب ( الذين كفروا )من الوهج والحميم والضرب الأليم يهمون بالخروج من هذا( الغم )وها هم أولاء يردون بعنف ، ويسمعون التأنيب : ( وذوقوا عذاب الحريق ) . .
ويظل الخيال يكرر هذه المشاهد من أولى حلقاتها إلى أخراها ، حتى يصل إلى حلقة محاولة الخروج والرد العنيف ، ليبدأ في العرض من جديد !
ولا يبارح الخيال هذا المشهد العنيف المتجدد إلا أن يلتفت إلى الجانب الآخر ، الذي يستطرد السياق إلى عرضه . فأصل الموضوع أن هناك خصمين اختصموا في ربهم . فأما الذين كفروا به فقد كنا نشهد مصيرهم المفجع منذ لحظة ! وأما الذين آمنوا فهم هنالك في الجنات تجري من تحتها الأنهار . وملابسهم لم تقطع من النار ، إنما فصلت من الحرير . ولهم فوقها حلى من الذهب واللؤلؤ . وقد هداهم الله إلى الطيب من القول ، وهداهم إلى صراط الحميد . فلا مشقة حتى في القول أو في الطريق . . والهداية إلى الطيب من القول ، والهداية إلى صراط الحميد نعمة تذكر في مشهد النعيم . نعمة الطمأنينة واليسر والتوفيق .
وتلك عاقبة الخصام في الله . فهذا فريق وذلك فريق . . فليتدبر تلك العاقبة من لا تكفيه الآيات البينات ، ومن يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير . .
وقوله : { وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ } كقوله { وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ } [ إبراهيم : 23 ] ، وقوله : { وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ . سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } [ الرعد : 23 ، 24 ] ، وقوله : { لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا } [ الواقعة : 25 ، 26 ] ، فهدوا إلى المكان الذي يسمعون فيه الكلام الطيب ، { وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا } [ الفرقان : 75 ] ، لا كما يهان أهل النار بالكلام الذي يُرَوّعون به{[20100]} ويقرعون به ، يقال لهم : { وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ }
وقوله : { وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ } أي : إلى المكان الذي يحمدون فيه ربهم ، على ما أحسن إليهم وأنعم به وأسداه إليهم ، كما جاء في الصحيح : " إنهم يلهمون التسبيح والتحميد ، كما يلهمون النَّفَسَ " .
وقد قال بعض المفسرين في قوله : { وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ } أي : القرآن . وقيل : لا إله إلا الله . وقيل : الأذكار المشروعة ، { وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ } أي : الطريق المستقيم في الدنيا . وكل هذا لا ينافي ما ذكرناه ، والله أعلم .
و { الطيب من القول } لا إله إلاَّ الله وما جرى معها من ذكر الله تعالى وتسبيحه وتقديسه وسائر كلام أهل الجنة من محاورة وحديث طيب فإنها لا تسمع فيها لاغية ، و { صراط الحميد } هو طريق الله تعالى الذي دعا عباده إليه ، ويحتمل أن يريد ب { الحميد } نفس الطريق فأضاف إليه على حد إضافته في قوله { دار الآخرة }{[8338]} [ الأنعام : 32 ، يوسف 109 ، النحل : 30 ] .
معنى { وهدوا إلى الطيب من القول } أن الله يرشدهم إلى أقوال ، أي يُلهمهم أقوالاً حسنة يقولونها بينهم ، وقد ذُكر بعضها في قوله تعالى : { دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين } [ يونس : 10 ] وفي قوله : { وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين } [ الزمر : 74 ] .
ويجوز أن يكون المعنى : أنهم يرشدون إلى أماكن يسمعون فيها أقوالاً طيبة . وهو معنى قوله تعالى : { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } [ الرعد : 24 ] . وهذا أشد مناسبة بمقابلة مما يسمعه أهل النار في قوله : { وذوقوا عذاب الحريق } [ الحج : 22 ] .
وجملة { وهدوا إلى صراط الحميد } معترضة في آخر الكلام ، والواو للاعتراض ، هي كالتكملة لوصف حسن حالهم لمناسبة ذكر الهداية في قوله : { وهدوا إلى الطيب من القول } ، ولم يسبق مقابل لمضمون هذه الجملة بالنسبة لأحوال الكافرين وسيجيء ذكر مقابلها في قوله : { إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله } إلى قوله : { نذقه من عذاب أليم } [ الحج : 25 ] وذلك من أفانين المقابلة . والمعنى : وقد هُدُوا إلى صراط الحميد في الدنيا ، وهو دين الإسلام ، شبه بالصراط لأنه موصل إلى رضى الله .
والحميد من أسماء الله تعالى ، أي المحمود كثيراً فهو فعيل بمعنى مفعول ، فإضافة { صراط } إلى اسم « الله » لتعريف أيّ صراط هو . ويجوز أن يكون { الحميد } صفة ل { صراط ، } أي المحمود لسالكه . فإضافة صراط إليه من إضافة الموصوف إلى الصفة ، والصراط المحمود هو صراط دين الله . وفي هذه الجملة إيماء إلى سبب استحقاق تلك النعم أنه الهداية السابقة إلى دين الله في الحياة الدنيا .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وهدوا} في الدنيا {إلى الطيب من القول} يعني: التوحيد، وهو قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كقوله: {كلمة طيبة} [إبراهيم:24.
{وهدوا إلى صراط} يعني: دين الإسلام {الحميد} عند خلقه يحمده أولياؤه.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"وَهُدُوا إلى الطّيّبِ مِنَ القَوْلِ" يقول تعالى ذكره: وهداهم ربهم في الدنيا إلى شهادة أن لا إله إلا الله... قال: ابن زيد، في قوله: "وَهُدُوا إلى الطّيبِ منَ القَوْلِ "قال: هدوا إلى الكلام الطيب: لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله، قال الله: "إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلمُ الطّيّبُ وَالعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ"...
عن ابن عباس: "وَهُدُوا إلى الطّيّبِ مِنَ القَوْلِ" قال: ألهموا.
وقوله: "وَهُدُوا إلى صِراطِ الحَمِيدِ" يقول جلّ ثناؤه: وهداهم ربهم في الدنيا إلى طريق الربّ الحميد، وطريقه: دينه دين الإسلام الذي شرعه لخلقه وأمرهم أن يسلكوه، والحميد: فعيل، صرّف من مفعول إليه، ومعناه: أنه محمود عند أوليائه من خلقه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
: {وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد} جائز أن يكون هذا في الدنيا والآخرة. أما في الدنيا فهو التوحيد وشهادة الإخلاص. وأما في الآخرة فهو كقوله: {دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} [يونس: 10] فهو القول الطيب الذي هدوا إليه...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
ثم قال "وهدوا "يعني أهل الجنة إلى الصواب من القول... فالحميد هو الله المستحق الحمد. وقيل: المستحمد إلى عباده بنعمه -في قول الحسن- أي الطالب منهم أن يحمدوه.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
و {الطيب من القول} لا إله إلاَّ الله وما جرى معها من ذكر الله تعالى وتسبيحه وتقديسه وسائر كلام أهل الجنة من محاورة وحديث طيب، فإنها لا تسمع فيها لاغية.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} كقوله {وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ} [إبراهيم: 23]، وقوله: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 23، 24]، وقوله: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا} [الواقعة: 25، 26]، فهدوا إلى المكان الذي يسمعون فيه الكلام الطيب، {وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا} [الفرقان: 75] وقوله: {وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} أي: إلى المكان الذي يحمدون فيه ربهم، على ما أحسن إليهم وأنعم به وأسداه إليهم، كما جاء في الصحيح:"إنهم يلهمون التسبيح والتحميد، كما يلهمون النَّفَسَ".
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وهدوا} وبنى الفعل أيضاً للمفعول إشارة إلى سهولة الهداية لهم وللأتقياء منهم، ولذلك لم يذكر العزة، واكتفى بذكر الحمد فقيل: {إلى صراط الحميد} الذي وفقهم لسلوك ما يحمدون عليه فيحمدون عاقبة، فكان فعلهم حسناً كما كان قولهم حسناً...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} أي: الصراط المحمود، وذلك، لأن جميع الشرع كله محتو على الحكمة والحمد، وحسن المأمور به، وقبح المنهي عنه، وهو الدين الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، المشتمل على العلم النافع والعمل الصالح.وفي ذكر {الحميد} هنا، ليبين أنهم نالوا الهداية بحمد ربهم ومنته عليهم، ولهذا يقولون في الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} فإذا كانت المخلوقات كلها ساجدة لربها، خاضعة لعظمته، مستكينة لعزته، عانية لسلطانه، دل على أنه وحده، الرب المعبود، والملك المحمود، وأن من عدل عنه إلى عبادة سواه، فقد ضل ضلالا بعيدا، وخسر خسرانا مبينا.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والحميد من أسماء الله تعالى، أي المحمود كثيراً فهو فعيل بمعنى مفعول، فإضافة {صراط} إلى اسم « الله» لتعريف أيّ صراط هو. ويجوز أن يكون {الحميد} صفة ل {صراط،} أي المحمود لسالكه. فإضافة صراط إليه من إضافة الموصوف إلى الصفة، والصراط المحمود هو صراط دين الله. وفي هذه الجملة إيماء إلى سبب استحقاق تلك النعم أنه الهداية السابقة إلى دين الله في الحياة الدنيا.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
القول الطيب هو القول الحق، الذي يتقرب به إلى الله تعالى، والذي يقرر القاتل له كمال الله تعالى ووحدة ألوهيته والطاعة لله تعالى، وتكبيره، وتقديسه، وتسبيحه، والخضوع المطلق له، وحمده في كل وقت، و {صراط الحميد}، هي طريق الله تعالى بإعلان عبادته وحده لا يشرك به شيئا، و {الحميد}، أي المحمود في كل ما يوصف به...
وهدوا بالبناء للمجهول في الفعلين، ولم يذكر الفاعل مع أن الهداية كلها من الله تعالى، فحذف للعلم به، ولأن الهداية تتعدد مسالكها، فهي تبتدئ بعمل من المهدي بأن يتجه إلى الحق مخلصا النية، فيأخذ الله بيده ويبلغ به إلى أقصى ما يبلغ به من مراتبه.
بقي أن نتكلم في زمانها ومكانها، أكانت في الدنيا، وهي التي أوصلتهم إلى هذا الجزاء الوفاق في الآخرة، ويكون ذكرها في الجنة تحقيقا لها، وتأكيدا لها وبيان أن ذلك هو السبب في النعيم الذي آتاهم الله بفضله ومنته، فبعملهم في الدنيا وأقوالهم الطيبة بالتوحيد والعبادة، وسلوكهم الطريق الأقوم نالوا ما نالوا في الآخرة.
وثمة اتجاه آخر، وهو أن هدايتهم إلى القول الطيب، والصراط الحميد هو في الآخرة ويكون من النعيم النفسي، إذ إن أهل الجنة يسمرون ويتبادلون القول الطيب، والسلوك الحميد في الآخرة، فيضاف إلى إنعام الله إنعام بالسامرة التي ليس فيها فسوق في القول، بل مبادلة محبة ومحبة، وعندي أنه يجمع بين القولين، فتكون الهداية إلى القول الطيب والطريق المحمود في الدنيا والآخرة، والله أعلم.
(هدوا) هداهم الله، فالذي دلهم على وسائل دخول الجنة والتمتع فيها بالسكن والزينة واللباس كذلك يهديهم الآن في الجنة ويدلهم على كيفية شكر المنعم على هذه النعمة، هذا معنى: {وهدوا إلى الطيب من القول} هذا القول الطيب لخصته آيات أخرى، ومنها قوله تعالى: {الحمد لله الذي صدقنا وعده.. (74)} [الزمر]. وقوله: {الحمد لله الذي أحلنا دار المقامة من فضله.. (35)} [فاطر]. وقوله: {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن.. (34)} [فاطر]. فحين يدخل أهل الجنة الجنة، ويباشرون النعيم المقيم لا يملكون إلا أن يقولوا: الحمد لله، كما يقول الحق سبحانه عنهم: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين (10)} [يونس].
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَهُدُواْ إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} الذي التزموه في حياتهم، هذا الذي تُعبر عنه المعاني الطيبة، والروح الطيبة، والمنهج الطيب، حيث يبتعدون في حياتهم وممارساتهم عن خبيث القول والعمل والمنهج وباطله.
{وَهُدُواْ إِلَى صراط الْحَمِيدِ} صراط الله المحمود في ذاته وفي فعله وفي رحمته ورضوانه. وهذا هو الفرق بين الذين يعيشون الكفر كخطٍّ في جميع أنواعه، وبين الذين يعيشون الإيمان كمنهج في جميع أوضاعهم وأعمالهم.. وهذا ما يجب أن يفكروا به عندما يفكرون في الاختيار بين ما يأخذون وما يتركون.