التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{وَهُدُوٓاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ وَهُدُوٓاْ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡحَمِيدِ} (24)

معنى { وهدوا إلى الطيب من القول } أن الله يرشدهم إلى أقوال ، أي يُلهمهم أقوالاً حسنة يقولونها بينهم ، وقد ذُكر بعضها في قوله تعالى : { دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين } [ يونس : 10 ] وفي قوله : { وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين } [ الزمر : 74 ] .

ويجوز أن يكون المعنى : أنهم يرشدون إلى أماكن يسمعون فيها أقوالاً طيبة . وهو معنى قوله تعالى : { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } [ الرعد : 24 ] . وهذا أشد مناسبة بمقابلة مما يسمعه أهل النار في قوله : { وذوقوا عذاب الحريق } [ الحج : 22 ] .

وجملة { وهدوا إلى صراط الحميد } معترضة في آخر الكلام ، والواو للاعتراض ، هي كالتكملة لوصف حسن حالهم لمناسبة ذكر الهداية في قوله : { وهدوا إلى الطيب من القول } ، ولم يسبق مقابل لمضمون هذه الجملة بالنسبة لأحوال الكافرين وسيجيء ذكر مقابلها في قوله : { إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله } إلى قوله : { نذقه من عذاب أليم } [ الحج : 25 ] وذلك من أفانين المقابلة . والمعنى : وقد هُدُوا إلى صراط الحميد في الدنيا ، وهو دين الإسلام ، شبه بالصراط لأنه موصل إلى رضى الله .

والحميد من أسماء الله تعالى ، أي المحمود كثيراً فهو فعيل بمعنى مفعول ، فإضافة { صراط } إلى اسم « الله » لتعريف أيّ صراط هو . ويجوز أن يكون { الحميد } صفة ل { صراط ، } أي المحمود لسالكه . فإضافة صراط إليه من إضافة الموصوف إلى الصفة ، والصراط المحمود هو صراط دين الله . وفي هذه الجملة إيماء إلى سبب استحقاق تلك النعم أنه الهداية السابقة إلى دين الله في الحياة الدنيا .