تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَهُدُوٓاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ وَهُدُوٓاْ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡحَمِيدِ} (24)

19

24 - وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ .

الطيب من القول : ما يقع في محاورة أهل الجنة بعضهم بعضا .

صراط الحميد : الصراط المحمود في آداب المعاشرة والاجتماع .

لقد وفق الله أهل الجنة إلى الكلام الحسن ، والرد الجميل ، وذكر الله وشكره ، وحمد آلائه ، كما هداهم إلى الصراط المستقيم الذي يوصلهم إلى الجنة .

وهناك رأيان في تفسير هذه الآية :

الأول : أن ذلك في الدنيا ؛ أي : هداهم الله إلى كلمة التوحيد في الدنيا ؛ وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وذكر الله وطاعته ، والكلام اللين الحسن ؛ كما هداهم إلى الإسلام والإيمان والطريق المحمود .

الثاني : أن ذلك في الآخرة ؛ وهذا هو الرأي الأرجح ، لأن السياق في الحديث عن أهل الجنة ، فهم يشكرون الله على ذهاب الحزن عنهم ، وعلى دخولهم الجنة ، وهم يذكرون الله حيث يلهمهم الله ذكره كما يلهمهم التنفس ، قال تعالى : وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ . ( فاطر : 34 ، 35 ) .

قال الشوكاني في تفسير فتح القدير :

وهدوا إلى الطيب من القول .

أي : أرشدوا إليه ، قيل : هو لا إله إلا الله ، وقيل : القرآن ، وقيل : هو ما يأتيهم من الله من بشارات ، وقد ورد في القرآن ما يدل على هذا القول المجمل هنا ، وهو قوله سبحانه : وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ . ( الزمر : 73 ، 74 ) .

وقال سبحانه وتعالى :

وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ . ( الأعراف : 42 – 44 ) .

وهذه الآيات تؤيد رأي من يرى أن أهل الجنة لهم عمل هو : الذكر ، والحمد لله ، والشكر لله ، ومناقشة أصحاب النار ، وهي أعمال كلها تناسب نعيم الجنة ، في استمرار الترقي والعبادة والشكر والذكر ؛ وهذه العبادة تصدر منهم كما يصدر التنفس أي : بدون تكلف أو إجهاد .