{ ذَلِكَ } المذكور ، وهو مجازاته بالعدل ، ومنعه أسباب الهداية ، ممن أباها واختار سواها .
{ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ } ومن الحق ، مجازاة المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته .
وأيضا ففي قوله : { نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ } ما يدل على أن الله أنزله لهداية خلقه ، وتبيين الحق من الباطل ، والهدى من الضلال ، فمن صرفه عن مقصوده ، فهو حقيق بأن يجازى بأعظم العقوبة .
{ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } أي : وإن الذين اختلفوا في الكتاب ، فآمنوا ببعضه ، وكفروا ببعضه ، والذين حرفوه وصرفوه على أهوائهم ومراداتهم { لَفِي شِقَاقٍ } أي : محادة ، { بَعِيدٍ } عن الحق لأنهم قد خالفوا الكتاب الذي جاء بالحق الموجب للاتفاق وعدم التناقض ، فمرج أمرهم ، وكثر شقاقهم ، وترتب على ذلك افتراقهم ، بخلاف أهل الكتاب الذين آمنوا به ، وحكموه في كل شيء ، فإنهم اتفقوا وارتفقوا بالمحبة والاجتماع عليه .
وقد تضمنت هذه الآيات ، الوعيد للكاتمين لما أنزل الله ، المؤثرين عليه ، عرض الدنيا بالعذاب والسخط ، وأن الله لا يطهرهم بالتوفيق ، ولا بالمغفرة ، وذكر السبب في ذلك بإيثارهم الضلالة على الهدى ، فترتب على ذلك اختيار العذاب على المغفرة ، ثم توجع لهم بشدة صبرهم على النار ، لعملهم بالأسباب التي يعلمون أنها موصلة إليها ، وأن الكتاب مشتمل على الحق الموجب للاتفاق عليه ، وعدم الافتراق ، وأن كل من خالفه ، فهو في غاية البعد عن الحق ، والمنازعة والمخاصمة ، والله أعلم .
وإنه لجزاء مكافىء لشناعة الجريمة . جريمة كتمان الكتاب الذي أنزله الله ليعلن للناس ، وليحقق في واقع الأرض ، وليكون شريعة ومنهاجا . فمن كتمه فقد عطله عن العمل . وهو الحق الذي جاء للعمل :
( ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق ) . .
فمن فاء إليه فهو على الهدى ، وهو في وفاق مع الحق ، وفي وفاق مع المهتدين من الخلق ، وفي وفاق مع فطرة الكون وناموسه الأصيل .
( وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ) . .
شقاق مع الحق ، وشقاق مع ناموس الفطرة ، وشقاق فيما بينهم وبين أنفسهم . . ولقد كانوا كذلك ، وما يزالون . وتلحق بهم كل أمة تختلف في كتابها . فلا تأخذ به جملة ، وتمزقه تفاريق . . وعد الله الذي يتحقق على مدار الزمان واختلاف الأقوام . ونحن نرى مصداقه واقعا في هذا العالم الذي نعيش فيه .
وقوله : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نزلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ } أي : إنما استحقوا هذا العذاب الشديد لأن الله تعالى أنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى الأنبياء قبله كتبه بتحقيق الحق وإبطال الباطل ، وهؤلاء اتخذوا آيات الله هزوًا ، فكتابهم يأمرهم بإظهار العلم ونشره ، فخالفوه وكذبوه . وهذا الرسول الخاتم يدعوهم إلى الله تعالى ، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، وهم يكذبونه ويخالفونه ويجحدونه ، ويكتمون صفته ، فاستهزؤوا بآيات الله المنزلة على رسله ؛ فلهذا استحقوا العذاب والنكال ؛ ولهذا{[3085]} قال : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ نزلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } .
{ ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق } أي ذلك العذاب بسبب أن الله نزل الكتاب بالحق فرفضوه بالتكذيب أو الكتمان . { وإن الذين اختلفوا في الكتاب } اللام فيه إما للجنس ، واختلافهم إيمانهم ببعض كتب الله تعالى وكفرهم ببعض . أو للعهد ، والإشارة إما إلى التوراة ، واختلفوا بمعنى تخلفوا عن المنهج المستقيم في تأويلها ، أو خلفوا خلال ما أنزل الله تعالى مكانه ، أي حرفوا ما فيها . وإما إلى القرآن واختلافهم فيه قولهم سحر ، وتقول ، وكلام علمه بشر ، وأساطير الأولين . { لفي شقاق بعيد } لفي خلاف بعيد عن الحق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.