ثم صرح بالفضل فقال : { الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ } بالنفقة في الجهاد وتجهيز الغزاة { وَأَنْفُسِهِمْ } بالخروج بالنفس { أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } أي : لا يفوز بالمطلوب ولا ينجو من المرهوب ، إلا من اتصف بصفاتهم ، وتخلق بأخلاقهم .
وينتهي هذا المعنى بتقرير فضل المؤمنين المهاجرين المجاهدين ، وما ينتظرهم من رحمة ورضوان ، ومن نعيم مقيم وأجر عظيم :
( الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله ، وأولئك هم الفائزون . يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم ، خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم ) . .
وأفعل التفضيل هنا في قوله : ( أعظم درجة عند الله ) ليس على وجهه ، فهو لا يعني أن للآخرين درجة أقل ، إنما هو التفضيل المطلق . فالآخرون ( حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون ) فلا مفاضلة بينهم وبين المؤمنين المهاجرين المجاهدين في درجة ولا في نعيم .
القول في تأويل قوله تعالى : { الّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلََئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } .
وهذا قضاء من الله بين فِرَق المفتخرين الذين افتخر أحدهم بالسقاية ، والاَخر بالسدانة ، والاَخر بالإيمان بالله والجهاد في سبيله . يقول تعالى ذكره : الذين آمنوا بالله : صدقوا بتوحيده من المشركين ، وهاجروا دور قومهم ، وجاهدوا المشركين في دين الله بأموالهم وأنفسهم ، أعظم درجة عند الله وأرفع منزلة عنده من سقاة الحاجّ وعمار المسجد الحرام وهم بالله مشركون . وَأُولِئكَ يقول : وهؤلاء الذين وصفنا صفتهم أنهم آمنوا وهاجروا وجاهدوا وهُمُ الفَائِزُونَ بالجنة الناجون من النار .
لما حكم الله تعالى في الآية المتقدمة بأن الصنفين لا يستوون بين ذلك في هذه الآية الأخيرة وأوضحه ، فعدد الإيمان والهجرة والجهاد بالمال والنفس ، وحكم أن أهل هذه الخصال { أعظم درجة عند الله } من جميع الخلق ، ثم حكم لهم بالفوز برحمته ورضوانه ، والفوز بلوغ البغية إما في نيل رغبته أو نجاة من مهلكة ، وينظر إلى معنى هذه الآية الحديث الذي جاء «دعوا لي أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه »{[5572]} .
قال القاضي أبو محمد : لأن أصحاب هذه الخصال على سيوفهم انبنى الإسلام وهم ردوا الناس إلى الشرع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.