قوله تعالى : { الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله } الآية .
لمَّا ذكر ترجيح الإيمان ، والجهاد على السِّقاية وعمارة المسجد الحرام على طريق الرمز ؛ أتبعه بذكر هذا التَّرجيح بالتَّصريح ، أي : مَنْ كان موصوفاً بهذه الصِّفات الأربعة كان أعظم درجة عند الله ممَّن اتَّصف بالسِّقاية والعمارة ، والسَّبب فيه ؛ لأن الإنسان ليس له إلاَّ الروح ، والبدن ، والمال ، فأمَّا الرُّوح فإنه لمَّا زال عنه الكفر ، وحصل فيه الإيمان ، فقد وصل إلى مراتب السعادات وأما البدن والمال ، فبالهجرة والجهادِ صارا معرَّضين للهلاك ، ولا شكَّ أنَّ النفس والمال محبوب الإنسان ، والإنسان لا يعرض عن محبوبه إلاَّ عند الفوز بمحبوب أكمل من الأوَّلِ ، فلولا أنَّ طلب الرضوان أتمُّ عندهم من النفس والمال ؛ وإلاَّ لما رجَّحُوا جانب الآخرة على النفس والمال طلباً لمرضاة الله تعالى ، وأي مناسبة بين هذه الدرجة وبين الإقدام على السِّقاية والعمارة بمجرد الاقتداء بالآباء ، وطلب الرياسة والسُّمعة ؟
قوله : { أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ الله } لم يقُلْ : أعظم درجة من المشتغلين بالسقاية والعمارة ؛ لأنَّه لو ذكرهم ، أوهم أن تلك الفضيلة بالنسبة إليهم ، فلمَّا ترك ذكر المرجوح ، دلَّ ذلك على أنَّهُمْ أفضل من كل من سواهم على الإطلاق .
فإن قيل : لمَّا أخبرتم بأنَّ هذه الصفات كانت بين المسلمين والكافرين ، فكيف قال في وصفهم : " أعْظَمُ دَرَجَةً " ؟ .
الأول : أن هذا ورد على ما قدَّرُوا لأنفسهم من الدَّرجة والفضيلة عند الله ، ونظيره قوله تعالى : { ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } [ النمل : 59 ] ، وقوله { أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزقوم } [ الصافات : 63 ] .
الثاني : أنَّ المراد : أولئك أعظم درجة من كل من لم يكن موصوفاً بهذه الصفات ، تنبيها على أنَّهم لمَّا كانوا أفضل من المؤمنين الذين ما كانوا موصوفين بهذه الصفات فبأن لا يقاسوا إلى الكفار أولى .
الثالث : أن المراد ، أنَّ المؤمن المُهاجِرَ المجاهد أفضل ممَّن على السقاية والعمارة ، والمراد منه : ترجيح تلك الأعمال على هذه الأعمال ، ولا شك أنَّ السِّقاية والعمارة من أعمال الخير ، وإنَّما بطل ثوابها في حقِّ الكفار ؛ لأن الكفر منع من ظهور ذلك الأثر ، ثُم بيَّن تعالى أنهم : " هُمُ الفائِزُون " وهذا للحصر ، والمعنى : أنهم هم الفائزون بالدرجة العلية المشار إليها بقوله : " عِنْدَ اللهِ " وليس المراد منه العندية بحسب الجهة والمكان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.