السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ أَعۡظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ} (20)

{ الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله } أي : أعلى مرتبة وأكثر كرامة ممن لم يستجمع هذه الصفات والمراد من كون العبد عند الله بالاستغراق في عبوديته وطاعته ، وليس المراد منه قطع العندية بحسب الجهة والمكان ؛ لأنّ الأرواح البشرية إذا تطهرت من دنس الأوصاف البدنية أشرقت بأنوار الجلال وتجلى فيها أضواء عالم الكمال ، وسرت من العبودية إلى العندية . وقيل : أعظم درجة عند الله ممن افتخر بالسقاية وعمارة المسجد الحرام .

فإن قيل : على هذا كيف قال في وصفهم أعظم درجة مع أنه ليس للكافر درجة ؟ أجيب : بأنّ هذا ورد على حسب ما كانوا يقدّرون ؛ لأنفسهم من الدرجة والفضيلة عند الله . ونظيره قوله تعالى : { الله خير أم ما يشركون } ( النحل ، 59 ) وقوله تعالى : { أذلك خير نزلاً أم شجرة الزقوم } ( الصافات ، 62 ) { وأولئك } من هذه صفتهم { هم الفائزون } أي : بسعادة الدنيا والآخرة .