{ 27-37 } { وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ }
يخبر تعالى عن سعة ملكه وانفراده بالتصرف والتدبير في جميع الأوقات وأنه { يوم تَقُومُ السَّاعَةُ } ويجمع الخلائق لموقف القيامة يحصل الخسار على المبطلين الذين أتوا بالباطل ليدحضوا به الحق ، وكانت أعمالهم باطلة ؛ لأنها متعلقة بالباطل فبطلت في يوم القيامة ، اليوم الذي تستبين به الحقائق ، واضمحلت عنهم وفاتهم الثواب وحصلوا على أليم العقاب .
ويعقب على هذه الحقيقة الماثلة بالأصل الكلي الذي ترجع إليه :
( ولله ملك السماوات والأرض ) . .
فهو المهيمن على كل ما في الملك . وهو صانع كل شيء فيه . وهو القادر على الإنشاء والإعادة لكل ما فيه وكل من فيه .
ثم يعرض عليهم مشهداً من هذا اليوم الذي يشكون فيه :
( ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون . وترى كل أمة جاثية . كل أمة تدعى إلى كتابها . اليوم تجزون ما كنتم تعملون . هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق . إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ) . .
إنه يعجل لهم في الآية الأولى عاقبة المبطلين . فهم الخاسرون في هذا اليوم الذي يشكون فيه .
يخبر تعالى أنه مالك السموات والأرض ، الحاكم فيهما {[26347]} في الدنيا والآخرة ؛ ولهذا قال : { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ } أي : يوم{[26348]} القيامة { يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ } وهم الكافرون بالله الجاحدون بما أنزله على رسله من الآيات البينات والدلائل الواضحات .
وقال ابن أبي حاتم : قدم سفيان الثوري المدينة ، فسمع المعافري{[26349]} يتكلم ببعض ما يضحك به الناس . فقال له : يا شيخ ، أما علمت أن لله يومًا يخسر فيه المبطلون ؟ قال : فما زالت تعرف في المعافري{[26350]} حتى لحق بالله ، عز وجل . ذكره ابن أبي حاتم .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلِلّهِ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السّاَعةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ولله سلطان السموات السبع والأرض ، دون ما تدعونه له شريكا ، وتعبدونه من دونه ، والذي تدعونه من دونه من الالهة والأنداد في مُلكه وسلطانه ، جارٍ عليه حكمه ، فكيف يكون ما كان كذلك له شريكا ، أم كيف تعبدونه ، وتتركون عبادة مالككم ، ومالك ما تعبدونه من دونه . وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ ، يقول تعالى ذكره : ويوم تجيء الساعة التي يُنْشِر الله فيها الموتى من قبورهم ، ويجمعهم لموقف العرض ، يَخْسَرُ المُبْطِلُونَ : يقول : يغبن فيها الذين أبطلوا في الدنيا في أقوالهم ، ودعواهم لله شريكا ، وعبادتهم آلهة دونه بأن يفوز بمنازله من الجنة المحقون ، ويبدّلوا بها منازل من النار كانت للمحقين ، فجعلت لهم بمنازلهم من الجنة ، ذلك هو الخسران المبين .
وقوله تعالى : { ويوم تقوم الساعة } قالت فرقة : العامل في : { يوم } قوله : { يخسر } وجاء قوله : { يومئذ } بدلاً مؤكداً . وقالت فرقة : العامل في : { يوم } فعل يدل عليه الملك ، وذلك أن يوم القيامة حال ثالثة ليست بالسماء ولا بالأرض ، لأن ذلك يتبدل ، فكأنه قال : { ولله ملك السماوات والأرض } والملك يوم القيامة ، وينفرد { يخسر } بالعمل في قوله : { يومئذ } و : { المبطلون } الداخلون في الباطل .
{ وَلِلَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض } .
اعتراض تذييل لقوله : { قل الله يحييكم ثم يميتكم } [ الجاثية : 26 ] أي لله لا لغيره مُلك السماوات والأرض ، أي فهو المتصرف في أحوال ما حوته السماوات والأرض من إحياء وإماتة ، وغير ذلك بما أوجد من أصولها وما قدّر من أسبابها ووسائلها فليس للدهر تصرف ولا لما سوى الله تعالى . وتقديم المجرور على المسند إليه لإفادة التخصيص لرد معتقدهم من خروج تصرف غيره في بعض ما في السماوات والأرض كقولهم في الدهر .
{ وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ المبطلون }
لما جرى ذِكْر يوم القيامة أعقب بإنذار الذين أنكروه من سوء عاقبتهم فيه .
المبطلون : الآتون بالباطل في معتقداتهم وأقوالهم وأعمالهم إذ الباطل ما ضادَّ الحق . والمقصود منه ابتداء هنا هو الشرك بالله فإنه أعظم الباطل ثم تجيء درجات الباطل متنازلة وما من درجة منها إلا وهي خسارة على فاعلها بقدر فعلته وقد أنذر الله الناس وهو العليم بمقادير تلك الخسارة .
{ ويوم تقوم الساعة } ظرف متعلق ب { يخسر } ، وقدم عليه للاهتمام به واسترعاء الأسماع لما يرد من وصف أحواله .
و { يومئذٍ } توكيد ل { يوم تقوم الساعة } وتنوينه عوض عن المضاف إليه المحذوف لدلالة ما أضيف إليه يومَ عليه ، أي يوم إذْ تقوم الساعة يخسر المبطلون فالتأكيد بتحقيق مضمون الخبر ولتهويل ذلك اليوم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.