تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوۡمَئِذٖ يَخۡسَرُ ٱلۡمُبۡطِلُونَ} (27)

الآية 27 وقوله تعالى : { ولله مُلك السماوات والأرض } هذا يخرّج على وجوه :

أحدها : ولله مُلك كل مُلك في السماوات والأرض .

[ والثاني ]{[3]} : { ولله مُلك السماوات والأرض } أي خزائن السماوات والأرض . وكذلك ذُكر في حرف ابن مسعود رضي الله عنه .

[ والثالث ]{[4]} : { ولله } حقيقة مُلك السماوات والأرض .

فإن كان التأويل ، هو الأول ، فإن له مُلك كل مُلكٍ في السماوات والأرض ؛ ففيه إخبار وإعلام يمنع{[5]} اتّباع أولئك الملوك والتعظيم لهم والإجلال والخدمة لهم بما في أيديهم من المُلك والسلطان وفضل الأموال ، بل فيه الأمر بصرف ذلك كله إلى الله تعالى والقيام له بالشكر لا لأولئك ، لأن الذي في أيديهم [ لله تعالى ، وهو الجاعل ذلك في أيديهم ]{[6]} والواضع عندهم . فإليه يُلزم صرف الشكر والعبادة ، والله أعلم .

وإن كان تأويل /507-ب/ المُلك الخزائن ففيه قطع الأطماع [ عمّا ]{[7]} في أيدي الناس والأمر بصرف ذلك إلى الله تعالى والرجاء منه دون سواه ، والله أعلم .

وإن كان الثالث : وهو أن حقيقة الملك لله تعالى ففيه أنه في ما امتحنهم في الدنيا بأنواع المحن لم يمتحنهم لمنفعة ترجع إلى نفسه أو لمضرّة [ يدفعها عنه ]{[8]} . وكذلك ما يُثيبهم في الآخرة ، ويعاقبهم ، ليس يفعل ذلك لمنفعة كانت له في الدنيا أو دفع مضرّة عنه . ولكن لحكمة أوجبت ذلك لهم وعليهم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ويوم تقوم الساعة } سمّى القيامة ساعة ، فجائز أن يكون سمّاها [ ساعة ]{[9]} لسرعة قيامها أو نفاذها كقوله تعالى : { وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب } [ النحل : 77 ] أو أن يكون سمّاها بذلك لما يكون حسابهم وأمرهم يوم القيامة إنما يكون في ساعة ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { يومئذ يخسر المُبطِلون } يحتمل أي يومئذ يبيّن خسران المبطلين في الدنيا . وعلى ذلك يبيّن خسران كل المشركين في تجارة الدنيا ، إذ في عمل [ القسمة عنده ]{[10]} يتبين خسران عملهم وتجارتهم .

وأصله أن الله تعالى جعل الدنيا وما أنشأ فيها من الأموال والأملاك رؤوس أموال أهلها يتجرون ، ويكتسبون بها الربح في الآخرة ، وأنه إنما أنشأ الدنيا للآخرة لا أنه أنشأها لنفسها ، ولذلك قال : { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم } الآية [ التوبة : 111 ] وقال : { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله } [ البقرة : 207 ] ونحوه ، والله أعلم .


[3]:- من ط ع، الواو ساقطة من الأصل.
[4]:- من ط ع، في الأصل: الشكر.
[5]:- من ط ع، في الأصل: ذا.
[6]:- نفسه.
[7]:- لم تدرج مقدمة المصنف في ط م.
[8]:- في ط ع: الحق.
[9]:- في ط م: ليكون.
[10]:-في ط ع: نقصانا.