مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوۡمَئِذٖ يَخۡسَرُ ٱلۡمُبۡطِلُونَ} (27)

قوله تعالى : { ولله ملك السماوات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون * وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون * هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون * فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين * وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين } .

واعلم أنه تعالى لما احتج بكونه قادرا على الإحياء في المرة الأولى ، وعلى كونه قادرا على الإحياء في المرة الثانية في الآيات المتقدمة ، عمم الدليل فقال : { ولله ملك السموات والأرض } أي لله القدرة على جميع الممكنات سواء كانت من السموات أو من الأرض ، وإذا ثبت كونه تعالى قادرا على كل الممكنات ، وثبت أن حصول الحياة في هذه الذات ممكن ، إذ لو لم يكن ممكنا لما حصل في المرة الأولى فيلزم من هاتين المقدمتين كونه تعالى قادرا على الإحياء في المرة الثانية .

ولما بين تعالى إمكان القول بالحشر والنشر بهذين الطريقين ، ذكر تفاصيل أحوال القيامة :

( فأولها ) قوله تعالى : { ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون } وفيه أبحاث :

البحث الأول : عامل النصب في يوم تقوم يخسر ، ويومئذ بدل من يوم تقوم .

البحث الثاني : قد ذكرنا في مواضع من هذا الكتاب أن الحياة والعقل والصحة كأنها رأس المال ، والتصرف فيها لطلب سعادة الآخرة يجري مجرى تصرف التاجر في رأس المال لطلب الربح ، والكفار قد أتعبوا أنفسهم في هذه التصرفات وما وجدوا منها إلا الحرمان والخذلان فكان ذلك في الحقيقة نهاية الخسران .