اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوۡمَئِذٖ يَخۡسَرُ ٱلۡمُبۡطِلُونَ} (27)

قوله تعالى : { وَلِلَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض . . . } الآية لما احتج بكونه قادراً على الإحياء في المرة الثانية في الآيات المتقدمة ، عَمَّمَ الدليل فقال : { وَلِلَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض } أي لله القدرة على جميع الكائنات سواء كانت في السموات أو في الأرض . وإذا ثبت كونه تعالى قادراً على كُلِّ الممكنات وثبت أن حصول الحياة في هذه الدار ممكن إذ لو لم يكن ممكناً لما حصل في المرة الأولى ، فيلزم من هاتين المقدمتين كونه تعالى قادراً على الإحياء في المرة الثانية . ولما بين تعالى إمكانية القول بالحشر والنشر في هذين الطريقين ، ذكر تفاصيل أحوالِ القيامة{[50721]} فأولها : قوله : { وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة } في عامله وجهان :

أحدهما : أنه «يخسر » و «يومئذ » بدل من «يَوْمَ تَقُومُ »{[50722]} . والتنوين على هذا التنوين عوض عن جملة مقدرة ولم يتقدم من الجمل إلا «تقوم الساعة » فيصير التقدير : ويوم تقوم الساعة يومئذ تقوم الساعة . وهذا الذي قدروه ليس فيه مزيد فائدة ، فيكون بدلاً توكيديًّا{[50723]} .

والثاني : أن العامل فيه مقدر ، قالوا لأن يوم القيامة حالة ثالثة ليست بالسَّماء ولا الأرض ، لأنهما يتبدلان فكأنه قيل : ولله ملك السموات والأرض والملك يوم تقوم . ويكون قوله : «يَوْمَئذٍ » معمولاً ليخسرُ ، والجملة مستأنفة من حيثُ اللفظ ، وإنْ كَانَ لها تعلق بما قبلها من حيثُ المَعْنَى{[50724]} .

فصل

اعلم أنَّ الحَيَاةَ والعقل والصحة كأنها رأس مال ، والتصرف فيها بطلب السعادة الأخروية مَجْرَى تصرف التاجر في ماله لطلب الربح ، والكفار قد اتعبوا أنفسهم في تصرفاتهم بالكفر والأباطيل ، فلم يجدوا في ذلك اليوم إلاَّ الحرمان والخِذلان ودخول النار ؛ وذلك في الحقيقة نهاية الخسران{[50725]} .


[50721]:انظر في هذا تفسير الإمام فخر الدين الرازي 27/270 ـ 272.
[50722]:الكشاف 3/513 والدر المصون 4/840 والرازي 27/272.
[50723]:قاله في البحر المحيط 8/50 وانظر المرجع السابق وهو الدر المصون أيضا. قال أبو حيان: "فإن كان بدلا توكيدا وهو قليل جاز ذلك وإلا فلا يجوز أن يكون بدلا". وانظر أيضا البيان لابن الأنباري 2/366، ومشكل إعراب القرآن لمكي 2/297.
[50724]:انظر البحر المحيط والدر المصون المرجعين السابقين.
[50725]:الرازي 27/272.