{ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا } بالله فيقال لهم توبيخا وتقريعا : { أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ } وقد دلتكم على ما فيه صلاحكم ونهتكم عما فيه ضرركم وهي أكبر نعمة وصلت إليكم لو وفقتم لها ، ولكن استكبرتم عنها وأعرضتم وكفرتم بها فجنيتم أكبر جناية وأجرمتم أشد الجرم ، فاليوم تجزون ما كنتم تعملون .
ثم نلقي بأبصارنا - من خلال الكلمات - إلى الفريق الآخر . فماذا نحن واجدون ? إنه التأنيب الطويل ، والتشهير المخجل ، والتذكير بشر الأقوال والأعمال :
( وأما الذين كفروا . أفلم تكن آياتي تتلى عليكم ، فاستكبرتم ، وكنتم قوماً مجرمين ? وإذا قيل : إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها . قلتم : ما ندري ما الساعة ! إن نظن إلا ظنا ، وما نحن بمستيقنين ) !
ثم قال : { وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ } أي : يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا : أما{[26366]} قرئت عليكم آيات الرحمن فاستكبرتم عن اتباعها ، وأعرضتم عند{[26367]} سماعها ، { وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ } أي : في أفعالكم ، مع ما اشتملت عليه قلوبكم من التكذيب ؟
القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَمّا الّذِينَ كَفَرُوَاْ أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىَ عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مّجْرِمِينَ } .
يقول تعالى ذكره : وأما الذين جحدوا وحدانية الله ، وأبوا إفراده في الدنيا بالألوهة ، فيقال لهم : ألم تكن آياتي في الدنيا تُتلى عليكم .
فإن قال قائل : أو ليست أمّا تجاب بالفاء ، فأين هي ؟ فإن الجواب أن يقال : هي الفاء التي في قوله أفَلَمْ . وإنما وجه الكلام في العربية لو نطق به على بيانه ، وأصله أن يقال : وأما الذين كفروا ، فألم تكن آياتي تتلى عليكم ، لأن معنى الكلام : وأما الذين كفروا فيقال لهم ألم ، فموضع الفاء في ابتداء المحذوف الذي هو مطلوب في الكلام ، فلما حُذفت يقال : وجاءت ألف استفهام ، حكمها أن تكون مبتدأة بها ، ابتدىء بها ، وجعلت الفاء بعدها ، وقد تُسقط العرب الفاء التي هي جواب «أما » في مثل هذا الموضع أحيانا إذا أسقطوا الفعل الذي هو في محل جواب أمّا كما قال جلّ ثناؤه : " فأمّا الّذِينَ اسْوَدّتْ وُجُوهُهُمْ أكَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانِكُمْ " فحذفت الفاء ، إذ كان الفعل الذي هو في جواب أمّا محذوفا ، وهو فيقال ، وذلك أن معنى الكلام : فأما الذين اسودّت وجوههم فيقال لهم : أكفرتم ، فلما أسقطت ، يقال الذي به تتصل الفاء سقطت الفاء التي هي جواب أمّا .
وقوله : فاسْتَكْبَرْتُمْ يقول : فاستكبرتم عن استماعها والإيمان بها وكُنْتُمْ قَوْما مُجْرِمِينَ يقول : وكنتم قوما تكسبون الآثام والكفر بالله ، لا تصدّقون بمعاد ، ولا تؤمنون بثواب ولا عقاب .
وقوله تعالى : { وأما الذين كفروا أفلم تكن } [ فيه محذوف ]{[10284]} فإن التقدير { وأما الذين كفروا } فيقال لهم { أفلم تكن } ، فحذف يقال اختصاراً وبقيت الفاء دالة على الجواب الذي تطلبه { أما } ، ثم قدم عليها ألف الاستفهام من حيث له صدر القول على كل حالة ووقف الله تعالى الكفار على الاستكبار ؛ لأنه من شر الخلال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.