{ 124 - 126 } { وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ * أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ }
يقول تعالى : مبينا حال المنافقين ، وحال المؤمنين عند نزول القرآن ، وتفاوت ما بين الفريقين ، فقال : { وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ } فيها الأمر ، والنهي ، والخبر عن نفسه الكريمة ، وعن الأمور الغائبة ، والحث على الجهاد .
{ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا } أي : حصل الاستفهام ، لمن حصل له الإيمان بها من الطائفتين .
قال تعالى -مبينا الحال الواقعة- : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا } بالعلم بها ، وفهمها ، واعتقادها ، والعمل بها ، والرغبة في فعل الخير ، والانكفاف عن فعل الشر .
{ وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } أي : يبشر بعضهم بعضا بما من اللّه عليهم من آياته ، والتوفيق لفهمها والعمل بها . وهذا دال على انشراح صدورهم لآيات اللّه ، وطمأنينة قلوبهم ، وسرعة انقيادهم لما تحثهم عليه .
وقبيل ختام السورة التي تكلمت طويلا عن المنافقين ، تجيء آيات تصور طريقة المنافقين في تلقي آيات الله وفي استقبال تكاليف هذه العقيدة التي يتظاهرون بها كاذبين ؛ وإلى جانبها صورة الذين آمنوا وتلقيهم لهذا القرآن الكريم :
( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول : أيكم زادته هذه إيمانا ? فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون ؛ وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون . أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ، ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون ? وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض : هل يراكم من أحد ? ثم انصرفوا . صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون ) . .
( أيكم زادته هذه إيمانا ? ) . .
سؤال مريب ، لا يقوله إلا الذي لم يستشعر وقع السورة المنزلة في قلبه . وإلا لتحدث عن آثارها في نفسه ، بدل التساؤل عن غيره . وهو في الوقت ذاته يحمل رائحة التهوين من شأن السورة النازلة والتشكيك في أثرها في القلوب !
لذلك يجيء الجواب الحاسم ممن لا راد لما يقول :
( فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون ، وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون ) .
فأما الذين آمنوا فقد أضيفت إلى دلائل الإيمان عندهم دلالة فزادتهم إيمانا ؛ وقد خفقت قلوبهم بذكر ربهم خفقة فزادتهم إيمانا ؛ وقد استشعروا عناية ربهم بهم في إنزال آياته عليهم فزادتهم إيمانا .
يقول تعالى : { وَإِذَا مَا أُنزلَتْ سُورَةٌ } فمن المنافقين { مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا } ؟ أي : يقول بعضهم لبعض أيكم زادته هذه السورة إيمانا ؟ قال الله تعالى : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } .
وهذه الآية من أكبر الدلائل على أن الإيمان يزيد وينقص ، كما هو مذهب أكثر السلف والخلف من أئمة العلماء ، بل قد حكى الإجماع على ذلك غير واحد ، وقد بسط الكلام على هذه المسألة في أول " شرح البخاري " رحمه الله ، { وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ } أي : زادتهم شكا إلى شكهم ، وريبا إلى ريبهم ، كما قال تعالى : { وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا } [ الإسراء : 82 ] ، وقال تعالى : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } [ فصلت : 44 ] ، وهذا من جملة شقائهم أن ما يهدي القلوب يكون سببا لضلالهم ودمارهم ، كما أن سيئ المزاج لو غذي بما غذي به لا يزيده إلا خبالا ونقصا .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مّن يَقُولُ أَيّكُمْ زَادَتْهُ هََذِهِ إِيمَاناً فَأَمّا الّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وإذا أنزل الله سورة من سور القرآن على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، فمن هؤلاء المنافقين الذين ذكرهم الله في هذه السورة من يقول : أيها الناس أيكم زادته هذه السورة إيمانا ؟ يقول تصديقا بالله وبآياته . يقول الله : فأما الذين آمنوا من الذين قيل لهم ذلك ، فزادتهم السورة التي أنزلت إيمانا وهم يفرحون بما أعطاهم الله من الإيمان واليقين .
فإن قال قائل : أو ليس الإيمان في كلام العرب التصديق والإقرار ؟ قيل : بلى . فإن قيل : فكيف زادتهم السورة تصديقا وإقرارا ؟ قيل : زادتهم إيمانا حين نزلت ، لأنهم قبل أن تنزل السورة لم يكن لزمهم فرض الإقرار بها والعمل بها بعينها إلا في جملة إيمانهم بأن كل ما جاءهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم من عند الله فحقّ فلما أنزل الله السورة لزمهم فرض الإقرار بأنها بعينها من عند الله ، ووجب عليهم فرض الإيمان بما فيها من أحكام الله وحدوده وفرائضه ، فكان ذلك هو الزيادة التي زادهم نزول السورة حين نزلت من الإيمان والتصديق بها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : وَإذَا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أيّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إيمانا قال : كان إذا نزلت سورة آمنوا بها ، فزادهم الله إيمانا وتصديقا ، وكانوا يستبشرون .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، في قوله : فَزَادَتْهُمْ إيمَانا قال : خشية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.