{ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا } أي : عذابًا من السماء يحصبكم ، وينتقم الله منكم { فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } أي : كيف يأتيكم ما أنذرتكم به الرسل والكتب ، فلا تحسبوا أن أمنكم من الله أن يعاقبكم بعقاب من الأرض ومن السماء ينفعكم ، فستجدون عاقبة أمركم ، سواء طال عليكم الزمان{[1179]} أو قصر .
والآن - وبينما هم في هذا الأمان على ظهر الأرض الذلول ، وفي هذا اليسر الفائض بإذن الله وأمره . . الآن يهز هذه الأرض الساكنة من تحت أقدامهم هزا ويرجها رجا فإذا هي تمور . ويثير الجو من حولهم فإذا هو حاصب يضرب الوجوه والصدور . . يهز هذه الأرض في حسهم ويثير هذا الحاصب في تصورهم ، لينتبهوا من غفلة الأمان والقرار ، ويمدوا بأبصارهم إلى السماء وإلى الغيب ، ويعلقوا قلوبهم بقدر الله :
( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور ? أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا ? فستعلمون كيف نذير ! ولقد كذب الذين من قبلهم . فكيف كان نكير ? ) . .
والبشر الذين يعيشون على ظهر هذه الدابة الذلول ، ويحلبونها فينالون من رزق الله فيها نصيبهم المعلوم ! يعرفون كيف تتحول إلى دابة غير ذلول ولا حلوب ، في بعض الأحيان ، عندما يأذن الله بأن تضطرب قليلا فيرتج كل شيء فوق ظهرها أو يتحطم ! ويمور كل ما عليها ويضطرب فلا تمسكه قوة ولا حيلة . ذلك عند الزلازل والبراكين ، التي تكشف عن الوحش الجامح ، الكامن في الدابة الذلول ، التي يمسك الله بزمامها فلا تثور إلا بقدر ، ولا تجمح إلا ثواني معدودات يتحطم فيها كل ما شيد الإنسان على ظهرها ؛ أو يغوص في جوفها عندما تفتح أحد أفواهها وتخسف كسفه منها . . وهي تمور . . البشر ولا يملكون من هذا الأمر شيئا ولا يستطيعون .
وهم يبدون في هول الزلزال والبركان والخسف كالفئران الصغيرة محصورة في قفص الرعب ، من حيث كانت آمنة لاهية غافلة عن القدرة الكبرى الممسكة بالزمام !
والبشر كذلك يشهدون العواصف الجامحة الحاصبة التي تدمر وتخرب ، وتحرق وتصعق . وهم بإزائها ضعاف عاجزون ، بكل ما يعلمون وما يعملون . والعاصفة حين تزأر وتضرب بالحصى الحاصب ، وتأخذ في طريقها كل شيء في البر أو البحر أو الجو يقف الإنسان أمامها صغيرا هزيلا حسيرا حتى يأخذ الله بزمامها فتسلس وتلين !
والقرآن يذكر البشر الذين يخدعهم سكون الدابة وسلامة مقادتها ، ويغريهم الأمان بنسيان خالقها ومروضها . يذكرهم بهذه الجمحات التي لا يملكون من أمرها شيئا . والأرض الثابتة تحت أقدامهم ترتج وتمور ، وتقذف بالحمم وتفور . والريح الرخاء من حولهم تتحول إلى إعصار حاصب لا تقف له قوة في الأرض من صنع البشر ، ولا تصده عن التدمير . . يحذرهم وينذرهم في تهديد يرج الأعصاب ويخلخل المفاصل .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{أم أمنتم} عقوبة {من في السماء} يعني الرب عز وجل.
{أن يرسل عليكم حاصبا} يعني الحجارة من السماء كما فعل بمن كان قبلكم من كفار العرب الخالية، قوم لوط وغيره.
{فستعلمون} يا أهل مكة عند نزول العذاب.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره:"أأَمنْتُمْ مَنْ فِي السّماءِ "أيها الكافرون "أنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فإذا هِيَ تَمُورُ"، يقول: فإذا الأرض تذهب بكم وتجيء وتضطرب.
"أمْ أمِنْتُمْ مَنْ فِي السّماءِ" وهو الله، "أنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِبا"، وهو التراب فيه الحصباء الصغار، "فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ"، يقول: فستعلمون أيها الكفرة كيف عاقبة نذيري لكم، إذ كذبتم به، ورددتموه على رسولي.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{فستعلمون كيف نذير} أي ستعلمون حال نذري الذين أنذروكم بالعذاب، أنهم كانوا محقين فيه، ولم يكونوا كاذبين كما زعمتم. أو ستعلمون ما أنذرتكم به إذا وقع العذاب...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
قوله: (فستعلمون كيف نذير) فيه تهديد، أي ستعرفون كيف تخويفي وترهيبي إن عصيتموني إذا صرتم إلى عذاب النار...
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :
{فستعلمون} في الآخرة وعند الموت...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
إذا رأيتم المنذر به، علمتم كيف إنذاري حين لا ينفعكم العلم...
ثم هدد وأوعد فقال: {فستعلمون كيف نذير}. قيل في النذير هاهنا إنه المنذر، يعني محمدا عليه الصلاة والسلام وهو قول عطاء عن ابن عباس والضحاك، والمعنى فستعملون رسولي وصدقه، لكن حين لا ينفعكم ذلك،
وقيل: إنه بمعنى الإنذار، والمعنى فستعلمون عاقبة إنذاري إياكم بالكتاب والرسول، و كيف في قوله: {كيف نذير} ينبئ عما ذكرنا من صدق الرسول وعقوبة الإنذار...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وفي الحقيقة فإنّ الآيات أعلاه تؤكّد أنّ عذاب العاصين والمجرمين لا ينحصر في يوم القيامة فقط، حيث يستطيع البارئ عزّ وجلّ أن يقضي على حياتهم في هذه الدنيا بحركة بسيطة للأرض، أو بحركة الرياح، وإن أفضل دليل على هذه الإمكانية الإلهية هو وقوع مثل هذه الأمور في الأمم السابقة...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.