وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأرْضِ أُمَمًا أي : فرقناهم ومزقناهم في الأرض بعد ما كانوا مجتمعين ، مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ القائمون بحقوق اللّه ، وحقوق عباده ، وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ أي : دون الصلاح ، إما مقتصدون ، وإما ظالمون لأنفسهم ، وَبَلَوْنَاهُمْ على عادتنا وسنتنا ، بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ أي : بالعسر واليسر .
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ عما هم عليه مقيمون من الردى ، يراجعون ما خلقوا له من الهدى ،
ثم تمضي خطوات القصة مع خطوات التاريخ ، من بعد موسى وخلفائه ، مع الأجيال التالية في بني إسرائيل إلى الجيل الذي كان يواجه الرسول [ ص ] والجماعة المسلمة في المدينة :
وقطعناهم في الأرض أمماً . . منهم الصالحون ومنهم دون ذلك . . وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون . فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب ، يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون : سيغفر لنا . وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه . ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق ، ودرسوا ما فيه ، والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون ! والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة ، إنا لا نضيع أجر المصلحين . .
وهذه بقية الآيات المدنية الواردة في هذا السياق تكملة لقصة بني إسرائيل من بعد موسى . . ذلك حين تفرق اليهود في الأرض ؛ جماعات مختلفة المذاهب والتصورات ، مختلفة المشارب والمسالك . فكان منهم الصالحون وكان منهم من هم دون الصلاح . وظلت العناية الإلهية تواليهم بالابتلاءات . تارة بالنعماء وتارة بالبأساء لعلهم يرجعون إلى ربهم ، ويثوبون إلى رشدهم ، ويستقيمون على طريقهم ( وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون ) . .
والمتابعة بالابتلاء رحمة من الله بالعباد ، وتذكير دائم لهم ، ووقاية من النسيان المؤدي إلى الاغترار والبوار . .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَطّعْنَاهُمْ فِي الأرْضِ أُمَماً مّنْهُمُ الصّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسّيّئَاتِ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ } . .
يقول تعالى ذكره : وفرّقنا بني إسرائيل في الأرض أمما ، يعني جماعات شتى متفرّقين . كما :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، عن يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن حبير ، عن ابن عباس : وَقَطّعناهُمْ فِي الأرْضِ أُمَما قال : في كلّ أرض يدخلها قوم من اليهود .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَقَطّعناهُمْ فِي الأرْضِ أُمَما قال : يهود .
وقوله : مِنْهُمُ الصّالِحُونَ يقول : من هؤلاء القوم الذين وصفهم الله من بني إسرائيل الصالحون ، يعني : من يؤمن بالله ورسله . وَمِنْهُمْ دُونَ ذلكَ يعني : دون الصالح . وإنما وصفهم الله جلّ ثناؤه بأنهم كانوا كذلك قبل ارتدادهم عن دينهم وقبل كفرهم بربهم ، وذلك قبل أن يُبعث فيهم عيسى ابن مريم صلوات الله عليه .
وقوله : وَبَلَوْناهُمْ بالحَسَناتِ وَالسّيّئاتِ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ يقول : واختبرناهم بالرخاء في العيش ، والخفض في الدنيا ، والدعة والسعة في الرزق ، وهي الحسنات التي ذكرها جلّ ثناؤه . ويعني بالسيئات : الشدّة في العيش ، والشظف فيه ، والمصائب والرزايا في الأموال . لَعلّهُمْ يَرْجِعُونَ يقول : ليرجعوا إلى طاعة ربهم ، وينيبوا إليها ، ويتوبوا من معاصيه .
{ وقطّعناهم في الأرض أمما } وفرقناهم فيها بحيث لا يكاد يخلو قطر منهم تتمة لأدبارهم حتى لا يكون لهم شوكة قط و{ أمما } مفعول ثان أو حال . { ومنهم دون ذلك } تقديره ومنهم أناس دون ذلك أي منحطون عن الصلاح ، وهم كفرتهم وفسقتهم . { وبلوناهم بالحسنات والسيئات } بالنعم والنقم . { لعلهم يرجعون } ينهون فيرجعون عما كانوا عليه .
{ وقطعناهم } معناه فرقناهم في الأرض ، قال الطبري عن جماعة من المفسرين : ما في الأرض بقعة إلا وفيها معشر من اليهود ، والظاهر في المشار إليهم في هذه الآية أنهم الذين بعد سليمان وقت زوال ملكهم ، والظاهر أنه قبل مدة عيسى عليه السلام لأنه لم يكن فيهم صالح بعد كفرهم بعيسى صلى الله عليه وسلم ، وفي التواريخ في هذا الفصل روايات مضطربة ، و { الصالحون } و { دون ذلك } ألفاظ محتملة أن يدعها صلاح الإيمان ف { دون } بمعنى غير يراد بها الكفرة ، وإن أريد بالصلاح العبادة والخير وتوابع الإيمان ف { دون ذلك } يحتمل أن يكون في مؤمنين ، و { بلوناهم } معناه امتحناهم ، و { الحسنات } الصحة والرخاء ونحو هذا مما هو بحسب رأي ابن آدم ونظره ، و { السيئات } مقابلات هذه ، وقوله : { لعلهم } أي بحسب رأيكم لو شاهدتم ذلك ، والمعنى لعلهم يرجعون إلى الطاعة ويتوبون من المعصية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.