{ 57 - 59 } { لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ * إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ }
يخبر تعالى بما تقرر في العقول ، أن خلق السماوات والأرض -على عظمهما وسعتهما- أعظم وأكبر ، من خلق الناس ، فإن الناس بالنسبة إلى خلق السماوات والأرض من أصغر ما يكون فالذي خلق الأجرام العظيمة وأتقنها ، قادر على إعادة الناس بعد موتهم من باب أولى وأحرى . وهذا أحد الأدلة العقلية الدالة على البعث ، دلالة قاطعة ، بمجرد نظر العاقل إليها ، يستدل بها استدلالاً لا يقبل الشك والشبهة بوقوع ما أخبرت به الرسل من البعث .
وليس كل أحد يجعل فكره لذلك ، ويقبل بتدبره ، ولهذا قال : { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } ولذلك لا يعتبرون بذلك ، ولا يجعلونه منهم على بال .
ثم يكشف للإنسان عن وضعه الحقيقي في هذا الكون الكبير . وعن ضآلته بالقياس إلى بعض خلق الله الذي يراه الناس ، ويدركون ضخامته بمجرد الرؤية ، ويزيدون شعوراً به حين يعلمون حقيقته :
( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس . ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) .
والسماوات والأرض معروضتان للإنسان يراهما ، ويستطيع أن يقيس نفسه إليهما . ولكنه حين " يعلم " حقيقة النسب والأبعاد وحقيقة الأحجام والقوى ، يطامن من كبريائه ، ويتصاغر ويتضاءل حتى ليكاد يذوب من الشعور بالضآلة . إلا أن يذكر العنصر العلوي الذي أودعه الله إياه ، والذي من أجله كرمه . فهو وحده الذي يمسك به أمام عظمة هذا الكون الهائل العظيم . .
ولمحة خاطفة عن السماوات والأرض تكفي لهذا الإدراك .
هذه الأرض التي نحيا عليها تابع صغير من توابع الشمس تبلغ كتلتها ثلاثة من مليون من كتلة الشمس ! ويبلغ حجمها أقل من واحد من مليون من حجم الشمس .
وهذه الشمس واحدة من نحو مائة مليون من الشموس في المجرة القريبة منا ؛ والتي نحن منها . وقد كشف البشر - حتى اليوم - نحو مائة مليون من هذه المجرات ! متناثرة في الفضاء الهائل من حولها تكاد تكون تائهة فيه !
والذي كشفه البشر جانب ضئيل صغير لا يكاد يذكر من بناء الكون ! وهو - على ضآلته - هائل شاسع يدير الرؤوس مجرد تصوره . فالمسافة بيننا وبين الشمس نحو من ثلاثة وتسعين مليوناً من الأميال . ذلك أنها رأس أسرة كوكبنا الأرضي الصغير . بل هي - على الأرجح - أم هذه الأرض الصغيرة . ولم تبعد أرضنا عن أحضان أمها بأكثر من هذه المسافة : ثلاثة وتسعين مليوناً من الأميال !
أما المجرة التي تتبعها الشمس فقطرها نحو من مائة ألف مليون سنة . . ضوئية . . والسنة الضوئية تعني مسافة ست مائة مليون ميل ! لأن سرعة الضوء هي ستة وثمانون ومائة ألف ميل في الثانية !
وأقرب المجرات الأخرى إلى مجرتنا تبعد عنا بنحو خمسين وسبعمائة ألف سنة ضوئية . . !
ونذكر مرة أخرى أن هذه المسافات وهذه الأبعاد وهذه الأحجام هي التي استطاع علم البشر الضئيل أن يكشف عنها . وعلم البشر هذا يعترف أن ما كشفه قطاع صغير في هذا الكون العريض !
( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس . ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) . .
وليس على قدرة الله أكبر ولا أصغر . ولا أصعب ولا أيسر . فهو خالق كل شيء بكلمة . . إنما هي الأشياء كما تبدو في طبيعتها ، وكما يعرفها الناس ويقدرونها . . فأين الإنسان من هذا الكون الهائل ? وأين يبلغ به كبره من هذا الخلق الكبير ?
القول في تأويل قوله تعالى : { لَخَلْقُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النّاسِ وَلََكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } .
يقول تعالى ذكره : لابتداعُ السموات والأرض وإنشاؤها من غير شيء أعظم أيها الناس عندكم إن كنتم مستعظمي خلق الناس ، وإنشائهم من غير شيء من خلق الناس ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن خلق جميع ذلك هين على الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.