البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لَخَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَكۡبَرُ مِنۡ خَلۡقِ ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (57)

ثم نبه تعالى أنه لا ينبغي أن يجادل في آيات الله ولا يتكبر الانسان بقوله { لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس } : أي إن المخلوقات أكبر واجل من خلق البشر ، فما لأحد يجادل ويتكبر على خلقه .

وقال الزمخشري : وجادلتهم في آية الله كان مشتملة على إنكار البعث وهو أصل المجادلة ومدارها ، فجحدوا بخلق السموات والأرض ، لأنهم كانوا مقرنين بأن الله خالقها ، وبأنها خلق عظيم لا يقدر قدره ، وخلق الناس بالقياس إليه شيء قليل مهين ، فمن قدر على خلقها مع عظمها على خلق الإنسان مهانته أقدر ، وهو أبلغ من الإستشهاد بخلق مثله انتهى .

قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون الكلام في معنى البعث والإعادة ، فأعلم تعالى أن ا الذي خلق السموات والأرض قوي قادر على خلق الناس تارة أخرى ، فالخلق مصدر أضيف إلى المفعول ، وقال النقاش : المعنى مما خلق الناس ، إذا هم في الحقيقة لا يملكون شيئاً ، فالخلق مضاف للفاعل .

{ ولكن أكثر الناس لا يعلمون } : أي لا يتأملون لغلبة الغفلة عليهم ، ونفي العلم عن الأكثر وتخصيصه به يدل على أن القليل يعلم ، ولذلك ضرب مثلاً للجاهل بالأعمى ، وللعالم بالبصير ، وانتفاء الاستواء بينهما هو من الجهة الدالة على العمى وعلى البصر ، وإلا فهما مستويان في غير ما شيء .