السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لَخَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَكۡبَرُ مِنۡ خَلۡقِ ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (57)

ولما وصف تعالى جدالهم في الآيات بأنه بغير سلطان ولا حجة ذكر لهذا مثالاً فقال :

{ لخلق السماوات } أي : على عظمها وارتفاعها وكثرة منافعها واتساعها { والأرض } أي : على ما ترون من عجائبها وكثرة منافعها { أكبر } عند كل من يعقل { من خلق الناس } أي : خلق الله تعالى لهم لأنهم شعبة يسيرة من خلقهما فعلم قطعاً أن الذي قدر على ابتدائه مع عظمه قادر على إعادة الناس على حقارتهم { ولكن أكثر الناس } وهم الذين ينكرون البعث وغيره { لا يعلمون } أي : لا علم لهم أصلاً بل هم كالبهائم لغلبة الغفلة عليهم .

تنبيه : تقدير هذا الكلام أن الاستدلال بالشيء على غيره ينقسم ثلاثة أقسام ؛ أحدها : أن يقال لما قدر على الأضعف وجب أن يقدر على الأقوى وهذا فاسد . ثانيها : أن يقال لما قدر على الشيء قدر على مثله فهذا الاستدلال صحيح لما ثبت في الأصول أن حكم الشيء حكم مثله . ثالثها : أن يقال لما قدر على الأقوى الأكمل قدر على الأقل الأرذل بالأولى ، وهذا الاستدلال في غاية الصحة والقوة ولا يرتاب فيه عاقل البتة ثم إن هؤلاء القوم يسلمون أن خالق السماوات والأرض هو الله تعالى ويعلمون بالضرورة أن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ، وكان من حقهم أن يقروا بأن القادر على خلق السماوات والأرض يكون قادراً على إعادة الإنسان الذي خلقه أولاً فهذا برهان كلي في إفادة هذا المطلوب ، ثم إن هذا البرهان على قوته صار لا يعرفه أكثر الناس ، والمراد منه : الذين ينكرون الحشر والنشر فظهر بهذا المثال أن هؤلاء الكفار يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم ولا حجة بل بمجرد الحسد والكبر والغضب .