فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَخَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَكۡبَرُ مِنۡ خَلۡقِ ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (57)

ثم بين سبحانه عظيم قدرته فقال : { لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } ابتداء من غير سبق مادة { أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ } أي أعظم في النفوس ، وأجل في الصدور ، لعظم إجرامهما واستقرارهما من غير عمد ، وجريان الأفلاك بالكواكب من غير سبب ، وأشق بحسب عادة الناس في مزاولة الأفعال من أن علاج الشيء الكبير أشق من علاج الصغير ، وإن كان بالنسبة إلى الله لا تفاوت بين الصغير والكبير ، فكيف ينكرون البعث وإحياء ما هو دونهما من كل وجه ؟ كما في قوله .

{ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ } قال أبو العالية المعنى لخلق السماوات والأرض أعظم من خلق الدجال حين عظمته اليهود ، وقال يحيى بن سلام هو احتجاج على منكري البعث أي هما أكبر من إعادة خلق الناس .

{ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ } أي كفار مكة { لَا يَعْلَمُونَ } بعظم قدرة الله ، وأنه لا يعجزه شيء فهم كالأعمى ، ومن يعلمه كالبصير وقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة في ذكر الدجال وصفته ، وإنذار الرسل منه لأمتهم وخروجه في آخر الزمان ، وما يقع منه ، ومن يتبعه من اليهود ، كما حققناه في حجج الكرامة في آثار القيامة ، وليس هذا موضع ذكرها وبسطها ، وإليه ذهب جميع أهل السنة والمحدثين والفقهاء خلافا لمن أنكره ، وأبطل أمره من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة ، وخلافا للجبائي وموافقيه في أنه صحيح الوجود : ولكن الأشياء التي يأتي بها زعموا أنها مخاريف وخيالات لا حقائق لها والأخبار الصحيحة المتواترة تدفعه وترده ردا مشبعا .