التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{لَخَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَكۡبَرُ مِنۡ خَلۡقِ ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (57)

قوله تعالى : { لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ( 57 ) } .

ذلك تنبيه من الله على حقيقة كونية مذهلة ، وهي زوال الدنيا وفناء العالمين وقيام الساعة ليقوم الناس للحساب والجزاء . وهذه حقيقة أساسية مركوزة في صميم العقيدة الإسلامية ؛ بل هي ركن أساسي ركين أجمعت عليه الأديان السماوية كافة وجاء بها النبيون والمرسلون . فما يكذِّب بهذه الحقيقة الركينة الكبرى إلا كل خاسر ظلوم أو غافل تائهٍ جهول قد أودى بنفسه في الأذلين الأخسرين والله جل وعلا يؤكد على حقيقة القامة تأكيدا ؛ إذ يبين للناس أن بعث العالمين وإحياء الموتى للحساب أمر هين يسر على الله ، بل ذلك أهون على الله م خلق هذا الكون الهائل المثير . وهو قوله سبحانه : { لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ } كلا المصدري وهما : خلق السماوات والأرض ، وخلق الناس ، مضاف لمفعوله ، والفاعل محذوف وهو لفظ الجلالة{[4027]} والمعنى : أن خَلْقَ الله تعالى السماوات والأرض أعظم من خَلْقِهِ الناس ؛ لأن الناس بالنسبة إلى السماوات والأرض وما فيهما من الخلائق والأجرام العظام كأنهم لا شيء . والمراد من ذلك : أن من قدر على خلق الخلائق العظام والأجرام الهائلة الجسام لهو أقدر على خلق ما هو دو ذلك مما هو بالغ الهوان والبساطة .

قوله : { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أكثر الناس ضالون غافلون عن هذه الحقيقة المبيَّنة في الآية فهم سادرون في الغفلة والعِماية ، لاهون عن التفكر في جلال الله وفي عظيم شأه وجبروته .


[4027]:الدر المصون ج 9 ص 492