اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَخَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَكۡبَرُ مِنۡ خَلۡقِ ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (57)

قوله تعالى : { لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس } المصدران مضافان لمفعولهما ، والفاعل محذوف ، وهو الله تعالى .

ويجوز أن يكون الثاني مضافاً للفاعل أي أكبر مما يخلقه الناسُ ، أي يصنعونه .

ويجوز أن يكون المصدران واقعين موقع المخلوق ، أي مخلوقهما أكبر من مخولقهم ، أي جرمهما أكبر من جرمهم{[48349]} .

فصل

اعلم أنه تعالى لما وصف جدالهم في الآيات بأن بغير سلطان ولا حجة ، ذكر لهذا مثلاً ، فقال : لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس والقادر على الأكبر قادر على الأقلّ لا محالة . وتقرير هذا الكلام أن الاستدلال بالشيء على غيره ينقسم ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يقال : لما قدر على الأضعف ، وجب أن يقدر على الأقوى وهذا فاسد .

( وثانيها : أن يُقَال : لما قدر على الشيء قدر على مِثْلِهِ ، فهذا استدلال صحيح لما ثبت في الأصول : أن حكم الشيء حكم مثله ){[48350]} .

وثالثها : أن يُقَالَ : لما قدر على الأقوى الأكمل ( فَبِأَنْ ){[48351]} يقدر على الأقل الأرذل كان أولى . وهذا استدلال في غاية الصحة والقوة ، ولا يرتاب فيه عاقل البتةَ . ثم إن هؤلاء القوم يسلمون أن خالق السمواتِ والأرضِ هو الله سبحانه وتعالى ويعملون بالضرورة أن خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ، وكان من حقهم أن يقروا بأن القادر على خلق السموات والأرض يكون قادراً على إعادة الإنسان الذي خلقه أولا فهذا برهان كلي في إفادة هذا المطلوب .

ثم إن هذا البرهان على قوته صار بحيث لا يعرفه أكثر الناس ، والمراد منه الذين ينكرون الحشر والنشر . فظهر بهذا المثال أنَّ هؤلاء الكفار يجادلون في آيات الله بغير سلطان ولا حجة بل بمجرد الحَسَدِ والكِبْر والغَضَب .


[48349]:ذكر هذه الآراء أبو حيان في البحر 7/471 والسمين في الدر 4/705.
[48350]:ما بين القوسين كله سقط من ب.
[48351]:زيادة للسياق وانظر تفسير الإمام الرازي 27/79.