وقوله : هُدًى من صفة القرآن . يقول : هذه آيات القرآن بيان من الله بين به طريق الحقّ وسبيل السلام وَبُشْرَى للْمُؤْمِنينَ يقول : وبشارة لمن آمن به ، وصدّق بما أنزل فيه بالفوز العظيم في المعاد .
وفي قوله : هُدًى وَبُشْرَى وجهان من العربية : الرفع على الابتداء بمعنى : هو هدى وبُشرى . والنصب على القطع من آيات القرآن ، فيكون معناه : تلك آيات القرآن الهدى والبشرى للمؤمنين ، ثم أسقطت الألف واللام من الهدى والبشرى ، فصارا نكرة ، وهما صفة للمعرفة فنصبا .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{هدى} يعني: بيان من الضلالة لمن عمل به، {وبشرى} لما فيه من الثواب {للمؤمنين} يعني: للمصدقين بالقرآن بأنه من الله عز وجل.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"هُدًى" من صفة القرآن. يقول: هذه آيات القرآن بيان من الله بين به طريق الحقّ وسبيل السلام "وَبُشْرَى للْمُؤْمِنينَ "يقول: وبشارة لمن آمن به، وصدّق بما أنزل فيه بالفوز العظيم في المعاد.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{هدى} يحتمل وجهين: أحدهما: دعاء كقوله: {ولكل قوم هاد} [الرعد: 7] أي داع، يدعو الخلق إلى توحيد الله تعالى. فعلى ذلك يحتمل قوله: {هدى} أي دعاء يدعوهم إلى توحيد الله تعالى. فإن كان هذا فهو للناس كافة. والثاني: جائز أن يريد بالهدى الهدى الذي هو نقيض الضلال وضده، فهو للمؤمنين خاصة، وإن كان أراد به البيان والدعاء فهو للكل.
{هدى وبشرى للمؤمنين} أي يدعوهم إلى الإيمان بالله وبرسوله. فإذا آمنوا به كان لهم بشرى..
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
فيه وجهان: أحدهما: هدى إلى الجنة وبشرى بالثواب، قاله يحيى بن سلام. الثاني: هدى من الضلالة وبشرى بالجنة. قاله الشعبي.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{هُدًى وبشرى}...والمعنى في كونها هدى للمؤمنين: أنها زائدة في هداهم. قال الله تعالى: {فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا} [التوبة: 124].
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
أي: إنما تحصل الهداية والبشارة من القرآن لِمَنْ آمن به واتبعه وصدقه، وعمل بما فيه، وأقام الصلاة المكتوبة، وآتى الزكاة المفروضة، وآمن بالدار الآخرة والبعث بعد الموت، والجزاء على الأعمال، خيرها وشرها، والجنة والنار، كما قال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: 44].
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما عظم سبحانه آيات الكتاب بما فيها من الجمع من النشر مع الإبانة، ذكر حاله فقال: {هدى} ولما كان الشيء قد يهدي إلى مقصود يكدر حال قاصده، قال نافياً لذلك، وعطف عليه بالواو دلالة على الكمال في كل من الوصفين: {وبشرى} أي عظيمة.
فلما تشوفت النفوس، وارتاحت القلوب، فطم من ليس بأهل عن عظيم هذه الثمرة فقال: {للمؤمنين} أي الذين صار ذلك لهم وصفاً لازماً بما كان لهم قبل دعاء الداعي من طهارة الأخلاق، وطيب الأعراق، وفي التصريح بهذا الحال تلويح بأنه فتنه وإنذار للكافرين {يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً فأما الذين في قلوبهم زيغ} -الآية، {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء} [فصلت: 44]، {والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمي}- إلى غير ذلك من الآيات.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم يصف القرآن أو يصف الكتاب بأنه:
وهذه أبلغ مما لو قيل: فيه هدى وبشرى للمؤمنين. فالتعبير القرآني على هذا النحو يجعل مادة القرآن وماهيته هدى وبشرى للمؤمنين. والقرآن يمنح المؤمنين هدى في كل فج، وهدى في كل طريق. كما يطلع عليهم بالبشري في الحياتين الأولى والآخرة.
وفي تخصيص المؤمنين بالهدى والبشرى تكمن حقيقة ضخمة عميقة.. إن القرآن ليس كتاب علم نظري أو تطبيقي ينتفع به كل من يقرؤه ويستوعب ما فيه. إنما القرآن كتاب يخاطب القلب، أول ما يخاطب؛ ويسكب نوره وعطره في القلب المفتوح، الذي يتلقاه بالإيمان واليقين. وكلما كان القلب نديا بالإيمان زاد تذوقه لحلاوة القرآن؛ وأدرك من معانيه وتوجيهاته ما لا يدركه منه القلب الصلد الجاف؛ واهتدى بنوره إلى ما لا يهتدي إليه الجاحد الصادف. وانتفع بصحبته ما لا ينتفع القارئ المطموس!
وإن الإنسان ليقرأ الآية أو السورة مرات كثيرة، وهو غافل أو عجول، فلا تنض له بشيء؛ وفجأة يشرق النور في قلبه، فتتفتح له عن عوالم ما كانت تخطر له ببال. وتصنع في حياته صنع المعجزة فى تحويلها من منهج إلى منهج، ومن طريق إلى طريق.
وكل النظم والشرائع والآداب التي يتضمنها هذا القرآن، إما تقوم قبل كل شيء على الإيمان. فالذي لا يؤمن قلبه بالله، ولا يتلقى هذا القرآن على أنه وحي من عند الله وعلى أن ما جاء فيه إنما هو المنهج الذي يريده الله. الذي لا يؤمن هذا الإيمان لا يهتدي بالقرآن كما ينبغي ولا يستبشر بما فيه من بشارات.
إن في القرآن كنوزا ضخمة من الهدى والمعرفة والحركة والتوجيه. والإيمان هو مفتاح هذه الكنوز. ولن تفتح كنوز القرآن إلا بمفتاح الإيمان. والذين آمنوا حق الإيمان حققوا الخوارق بهذا القران. فأما حين أصبح القرآن كتابا يترنم المترنمون بآياته، فتصل إلى الآذان، ولا تتعداها إلى القلوب. فإنه لم يصنع شيئا، ولم ينتفع به أحد.. لقد ظل كنزا بلا مفتاح!
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
فالمعنى: أن الهدى للمؤمنين والبشرى حاصلان منه ومستمران من آياته. والبشرى: اسم للتبشير، ووصف الكتاب بالهدى والبشرى جار على طريقة المجاز العقلي، وإنما الهادي والمبشر الله أو الرسول بسبب الكتاب.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
وقد ذكر سبحانه وصفا ثالثا ورابعا، فقال تعالى: {هُدًى وَبُشْرَى}، أي أنه هو ذاته يهدي فهو بإعجازه وبلاغته وعباراته المحكمة، يهدي النفوس الطالبة للحق المهتدية التي تتجه إلى الحق..
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
ينص على أن كتاب الله يتضمن أمرين: الأمر الأول هداية الخلق، إلى كل ما هو حق، حتى يتفادوا كل ما هو باطل، قولا وفعلا واعتقادا. الأمر الثاني تعريف المهتدين به، بما يلقونه من البشائر في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فلا يعتري حياتهم خلل ولا اضطراب، ويكونون بمنجاة من أليم العذاب.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وفي الآية التالية وصفان آخران للقرآن إذ تقول: (هدى وبشرى للمومنين... الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون)...
وهنا ينقدح سؤال وهو: إذا كان هؤلاء المؤمنون قد اختاروا الطريق السوي، من حيث المباني الاعتقادية والعملية، فما الحاجة لأنّ يأتي القرآن لهدايتهم؟! ويتّضح الجواب بملاحظة أنّ الهداية لها مراحل مختلفة، وكل مرحلة مقدمة لما بعدها، ثمّ إنّ استمرار الهداية مسألة مهمّة، وهي ما نسألُها الله سبحانه ليل نهار بقولنا: (اهدنا الصراط المستقيم) ليثبتنا في هذا المسير، ويجعلنا مستمرين فيه بلطفه، فلولا لطفه لما كان ذلك ممكناً لنا... وبعد هذا كلّه، فالإفادة من آيات القرآن والكتاب المبين هي نصيب أُولئك الذين فيهم القابلية على معرفة الحق وطلب الحق. وإن لم يبلغوا مرحلة الهداية الكاملة... ثمّ بعد ذلك فإن الهدى والبشرى مقترنين معاً.. وهما للمؤمنين فحسب، وليس للآخرين مثل هذه المزية... ومن هنا يتّضح مجيء التعبير بالهداية بشكل واسع لعموم الناس (هدى للناس) فإن المراد منه أُولئك الذين تتوفر فيهم الأرضيّة المناسبة لقبول الحق، وإلاّ فإنّ المعاندين الألداء عُماة القلوب، لو أشرقت عليهم آلاف الشموس بدل شمسنا هذه ليهتدوا، لما اهتدوا أبداً.