في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{هُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (2)

ثم يصف القرآن أو يصف الكتاب بأنه :

( هدى وبشرى للمؤمنين ) . .

وهذه أبلغ مما لو قيل : فيه هدى وبشرى للمؤمنين . فالتعبير القرآني على هذا النحو يجعل مادة القرآن وماهيته هدى وبشرى للمؤمنين . والقرآن يمنح المؤمنين هدى في كل فج ، وهدى في كل طريق . كما يطلع عليهم بالبشري في الحياتين الأولى والآخرة .

وفي تخصيص المؤمنين بالهدى والبشرى تكمن حقيقة ضخمة عميقة . . إن القرآن ليس كتاب علم نظري أو تطبيقي ينتفع به كل من يقرؤه ويستوعب ما فيه . إنما القرآن كتاب يخاطب القلب ، أول ما يخاطب ؛ ويسكب نوره وعطره في القلب المفتوح ، الذي يتلقاه بالإيمان واليقين . وكلما كان القلب نديا بالإيمان زاد تذوقه لحلاوة القرآن ؛ وأدرك من معانيه وتوجيهاته ما لا يدركه منه القلب الصلد الجاف ؛ واهتدى بنوره إلى ما لا يهتدي إليه الجاحد الصادف . وانتفع بصحبته ما لا ينتفع القارئ المطموس !

وإن الإنسان ليقرأ الآية أو السورة مرات كثيرة ، وهو غافل أو عجول ، فلا تنض له بشيء ؛ وفجأة يشرق النور في قلبه ، فتتفتح له عن عوالم ما كانت تخطر له ببال . وتصنع في حياته صنع المعجزة فى تحويلها من منهج إلى منهج ، ومن طريق إلى طريق .

وكل النظم والشرائع والآداب التي يتضمنها هذا القرآن ، إما تقوم قبل كل شيء على الإيمان . فالذي لا يؤمن قلبه بالله ، ولا يتلقى هذا القرآن على أنه وحي من عند الله وعلى أن ما جاء فيه إنما هو المنهج الذي يريده الله . الذي لا يؤمن هذا الإيمان لا يهتدي بالقرآن كما ينبغي ولا يستبشر بما فيه من بشارات .

إن في القرآن كنوزا ضخمة من الهدى والمعرفة والحركة والتوجيه . والإيمان هو مفتاح هذه الكنوز . ولن تفتح كنوز القرآن إلا بمفتاح الإيمان . والذين آمنوا حق الإيمان حققوا الخوارق بهذا القران . فأما حين أصبح القرآن كتابا يترنم المترنمون بأياته ، فتصل إلى الآذان ، ولا تتعداها إلى القلوب . فإنه لم يصنع شيئا ، ولم ينتفع به أحد . . لقد ظل كنزا بلا مفتاح !