المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَوَسَطۡنَ بِهِۦ جَمۡعًا} (5)

5- فجعلن الغبار يتوسط جمع العدو حتى يصيبه الرعب والفزع .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَوَسَطۡنَ بِهِۦ جَمۡعًا} (5)

{ فَوَسَطْنَ بِهِ } أي : براكبهن { جَمْعًا } أي : توسطن به جموع الأعداء ، الذين أغار عليهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَوَسَطۡنَ بِهِۦ جَمۡعًا} (5)

وقوله : { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً } أي : فتوسطن فى ذلك الوقت جمع الأعداء ، ففرقنها ، ومزقنها ، تقول : وسَطْتُ القومَ أسِطُهم وَسْطاً ، إذا صرت فى وسطهم .

والمراد بالعاديات ، والموريات ، والمغيرات : خيل المجاهدين فى سبيل الله ، والكلام على حذف الموصوف . والمعنى : وحق الخيل التى يعتلي صهواتها المجاهدون من أجل إعلاء كلمة الله - تعالى - ، والتى تجري بهم فى ساحات القتال ، فيسمع صوت أنفاسها ، والتي تظهر شرر النار من أثر صك حوافرها بالحجارة وما يشبهها ، والتي تغير على العدو في وقت الصباح ، فتثير الغبار ، وتمزق جمع الأعداء .

وحق هذه الخيل الموصوفة بتلك الصفات . . { إِنَّ الإنسان لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } .

وقد أقسم - سبحانه - بالخيل المستعملة للجهاد فى سبيله ، للتنبيه على فضلها ، وفضل ربطها ، ولما فيها من المنافع الدينية والدنيوية ، ولما يترتب على استعمالها فى تلك الأغراض من أجر وغنيمة ، ومن ترويع لجموع المشركين ، وتمزيق لصفوفهم .

وأسند - سبحانه - الإِغارة إليها مع أنها فى الحقيقة لراكبيها ؛ لأن الخيول هى عدة الإِغارة ، وهى على رأس الوسائل لبلوغ النصر على الأعداء .

وقيل : المراد بالعاديات : الإِبل ، إلا أن الأوصاف فى الآيات الكريمة من الضبح والإِغارة . . تؤيد أن المراد بها الخيل .

قال صاحب الكشاف : أقسم - سبحانه - بخيل الغزاة تعدو فتضبح . والضبح : صوت أنفاسها إذا عدون .

فإن قلت : علام عطف " فأثرن " ؟ قلت : على الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه ، وهو قوله { فالمغيرات صُبْحاً } ، وذلك لصحة عطف الفعل على الاسم الذى يشبه الفعل كاسم الفاعل ؛ لأن المعنى : واللائي عدون ، فأورين ، فأغرن ، فأثرن الغبار .

والتعبير بالفاء فى قوله - تعالى - : { فَأَثَرْنَ } { فَوَسَطْنَ } ، وبالفعل الماضي ، للإِشارة إلى أن إثارة الغبار ، وتمزيق صفوف الأعداء ، قد تحقق بسرعة ، وأن الظفر بالمطلوب قد تم على أحسن الوجوه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَوَسَطۡنَ بِهِۦ جَمۡعًا} (5)

وقوله تعالى : { فوسطن به جميعاً } قال ابن عباس وعلي : هي الإبل ، و { جمعاً } : هي المزدلفة ، وقال ابن عباس : هي الخيل ، والمراد جمع من الناس هم المغيرون ، وقرأ علي بن أبي طالب وقتادة وابن أبي ليلى : «فوسّطن » بشد السين ، وقال بشر بن أبي حازم : [ الكامل ]

فوسطن جمعهم وأفلت حاجب . . . تحت العجاجة في الغبار الأقتم{[11952]}

وذكر الطبري عن زيد بن أسلم : أنه كان يكره تفسير هذه الألفاظ ، ويقول : هو قسم أقسم الله به ، وجمهور الأمة وعلماؤها مفسرون لها كما ذكرنا .


[11952]:بشر بن أبي خازم الأسدي – بالخاء في خازم- شاعر جاهلي قديم، كان كثير الهجاء لأوس بن حارثة بن لأم، فنذر أوس ليحرقنه إذا قدر عليه، ثم وقع بشر في أسر بني نبهان، فطلبه منهم أوس لينفذ وعيده فيه، لكن أمه نهته عن ذلك وقالت له: أكرم الرجل وحل عنه، فإنه لا يمحو ما قال غير لسانه ،فلما أطلقه جعل بشر مكان كل قصيدة هجاء قصيدة مدح في أوس، والبيت من قصيدة قالها في يوم يسمى يوم الجفار. ووسط جمعهم: صار في وسطهم، وفي المفضليات (ففضضن جمعهم)، وعلى هذا فلا شاهد فيه، وحاجب هو حاجب بن زرارة، يقول الشاعر عنه: إنه فر تحت الغبار، والعجاجة: واحدة العجاج وهو الغبار، والأقتم: الشديد السواد من الكثافة.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَوَسَطۡنَ بِهِۦ جَمۡعًا} (5)

ومعنى : « وسَطْن » : كُنَّ وسط الجمع ، يقال : وسط القومَ ، إذا كان بينهم .

و { جمعاً } مفعول : « وسَطْن » وهو اسم لجماعة الناس ، أي صِرْن في وسط القوم المغزوون . فأما بالنسبة إلى الإِبل فيتعين أن يكون قوله : { جمعاً } بمعنى المكان المسمى { جمعاً } وهو المزدلفة فيكون إشارة إلى حلول الإِبل في مزدلفة قبل أن تغير صبحاً منها إلى عرفة إذ ليس ثمة جماعة مستقرة في مكان تصل إليه هذه الرواحل .

ومن بديع النظم وإعجازه إيثار كلمات « العاديات وضبحاً والموريات وقدحا ، والمغيرات وصبحاً ، ووسطن وجمعاً » دون غيرها لأنها برشقاتها تتحمل أن يكون المقسم به خيل الغزو ورواحل الحج .

وعطفت هذه الأوصاف الثلاثة الأولى بالفاء لأن أسلوب العرب في عطف الصفات وعطف الأمكنة أن يكون بالفاء وهي للتعقيب ، والأكثر أن تكون لتعقيب الحصول كما في هذه الآية ، وكما في قول ابن زيَّابة :

يا لهفَ زيَّابةَ للحارِث الصَّـ *** ـابح فالغانم فالآيب{[461]}

وقد يكون لمجرد تعقيب الذِّكر كما في سورة الصافات .

والفاء العاطفة لقوله : { فأثرن به نقعاً } عاطفة على وصف « المغيرات » . والمعطوف بها من آثار وصف المغيرات . وليست عاطفة على صفة مستقلة مثل الصفات الثلاث التي قبلها لأن إثارة النقع وتوسط الجمع من آثار الإِغارة صُبحاً ، وليسا مُقْسماً بهما أصالةً وإنما القَسم بالأوصاف الثلاثة الأولى .

فلذلك غُير الأسلوب في قوله : { فأثرن به نقعاً فوسطن به جمعاً } فجيء بهما فعلين ماضيين ولم يأتيا على نسق الأوصاف قبلهما بصيغة اسم الفاعل للإِشارة إلى أن الكلام انتقل من القَسَم إلى الحكاية عن حصول ما تَرتَّبَ على تلك الأوصاف الثلاثة ما قُصد منها من الظفَر بالمطلوب الذي لأجله كان العَدو والإِيراء والإِغارة عقبه وهي الحلُول بدار القوم الذين غزَوهم إذَا كان المراد ب { العاديات } الخيل ، أو بلوغُ تمام الحج بالدفع عن عرفة إذا كان المراد ب { العاديات } رواحل الحجيج ، فإن إثارة النقع يشعرون بها عند الوصول حين تقف الخيل والإِبل دفعة ، فتثير أرجلها نقعاً شديداً فيما بينهما ، وحينئذ تتوسطن الجمع من الناس . وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون المراد بقوله : { جمعاً } اسم المزدلفة حيث المشعر الحرام .

ومناسبة القسم بهذه الموصوفات دون غيرها إن أريد رواحل الحجيج وهو الوجه الذي فسر به علي بن أبي طالب هو أن يصدّق المشركون بوقوع المقسم عليه لأن القسم بشعائر الحج لا يكون إلا باراً حيث هم لا يصدقون بأن القرآن كلام الله ويزعمونه قول النبي صلى الله عليه وسلم .

وإن أريد ب { العاديات } وما عطف عليها خيل الغزاة ، فالقسم بها لأجل التهويل والترويع لإِشعار المشركين بأنَّ غارة تترقبهم وهي غزوة بدر ، مع تسكين نفس النبي صلى الله عليه وسلم من التردد في مصير السرية التي بعث بها مع المُنذر بن عَمْرو إذا صحّ خبرها فيكون القسم بخصوص هذه الخيل إدماجاً للاطمئنان .


[461]:- يعني : زيابة أمه. وايمه سلمة بن ذهل التيمي، والحارث هو ابن همام الشيباني الذي هدد ابن زيابة فأجابه ابن زيابة متهكما.