محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{فَوَسَطۡنَ بِهِۦ جَمۡعًا} (5)

وقوله تعالى { فوسطن به جمعا } أي فتوسطن ودخلن في وسط جمع من الأعداء ففرقته وشتته ، يقال : ( وسَطت القوم ) بالتخفيف ، و ( وسَّطته ) بالتشديد ، و ( توسطته ) بمعنى واحد ، وفي الضمير الوجوه المتقدمة .

قال الإمام رحمه الله : أقسم الله تعالى بالخيل متصفة بصفاتها التي ذكرها آتية بالأعمال التي سردها لينوه بشأنها ، ويعلي من قدرها في نفوس المؤمنين أهل العمل والجد ، ليعنوا بقنيتها وتدريبها على الكر والفر ، وليحملهم أنفسهم على العناية بالفروسية والتدرب على ركوب الخيل والإغارة بها ، ليكون كل واحد منهم مستعدا في أي وقت كان ؛ لأن يكون جزءا من قوة الأمة إذا اضطرت إلى صد عدو ، أو بعثها باعث على كسر شوكته ، وكان في هذه الآيات القارعات وفي تخصيص الخيل بالذكر في قوله{[7535]} { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم } وفيما ورد من الأحاديث التي لا تكاد تحصر ما يحمل كل فرد من رجال المسلمين على أن يكون في مقدمة فرسان الأرض مهارة في ركوب الخيل ، ويبعث القادرين منهم على قتبة الخيل على التنافس في عقائلها ، وأن يكون فن السباق عندهم يسبق بقية الفنون إتقانا . أفليس من أعجب العجب أن ترى أمما هذا كتابها قد أهملت شأن الخيل والفروسية إلى أن صار إلى راكبها بينهم بالهزؤ والسخرية ؟ وأخذت كرام الخيل تهجر بلادهم إلى بلاد أخرى .

ثم قال : يقسم الله بالخيل صاحبة تلك الصفات التي رفع ذكرها ليؤكد الخبر الذي جاء في قوله : { إن الإنسان لربه لكنود } .


[7535]:8 / الأنفال / 60.