الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَوَسَطۡنَ بِهِۦ جَمۡعًا} (5)

قوله : { فَوَسَطْنَ } : العامَّةُ على تخفيفِ السينِ ، أي : تَوَسَّطْنَ . وفي الهاءِ في " به " أوجهٌ :

أحدُها : أنها للصبح ، كما تقدَّم .

والثاني : أنها للنَّقْعِ ، أي : وَسَطْنَ بالنَّقْعِ الجَمْعَ ، أي : جَعَلْنَ الغبارَ وَسْطَ الجمع ، فالباءُ للتعدية ، وعلى الأولِ هي ظرفيةٌ .

الثالث : أنَّ الباءَ للحاليةِ ، أي : فتوَسَّطْن مُلْتبساتٍ بالنقع ، أي : بالغبار جمعاً من جموع الأعداء .

وقيل : الباءُ مزيدةٌ ، نقله أبو البقاء ، و " جَمْعاً " على هذه الأوجهِ مفعولٌ به .

الرابع : أنَّ المرادَ ب ( جَمْع ) المزدلفةُ ، وهي تُسَمَّى جَمْعاً . والمرادُ أنَّ الإِبلَ تتوسَّطُ جَمْعاً الذي هو المزدلفةُ ، كما مرَّ عن أميرِ المؤمنين رضي الله عنه ، فالمرادُ بالجَمْعِ مكانٌ لا جماعةُ الناسِ ، كقولِ صفية :

4626 . . . . . . . . . . . والعادياتِ غَداةَ جَمْعٍ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقولِ بشرِ بنِ أبي خازم :

فَوَسَطْنَ جَمْعَهُمُ وأَفْلَتَ حاجبٌ *** تحت العَجابةِ في الغُبارِ الأَقْتَمِ

و " جَمْعاً " على هذا منصوبٌ على الظرف ، وعلى هذا فيكونُ الضميرُ في " به " : " إمَّا للوقتِ ، أي : في وقت الصبح ، وإمَّا للنَّقْع ، وتكونُ الباءُ للحال ، أي : مُلْتبساتٍ بالنَّقْع . إلاَّ أنه يُشْكِلُ نَصْبُ الظرفِ المختصِّ إذ كان حَقُّه أَنْ يتعدَّى إليه ب " في " ، وقال أبو البقاء : " إنَّ جَمْعاً حالٌ " ، وسبقه إليه مكي . وفيه بُعْدٌ ؛ إذ المعنى : على أنَّ الخيلَ توسَّطَتْ جَمْعٌ الناسِ .

وقرأ علي وزيد بن علي وقتادة وابن أبي ليلى بتشديد السين ، وهما لغتان بمعنىً واحدٍ ، أعني التثقيلَ والتخفيفَ . وقال الزمخشري : " التشديدُ للتعديةِ ، والباءُ مزيدةٌ للتأكيدِ ، كقوله : { وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً } [ البقرة : 25 ] وهي مبالَغَةٌ في " وَسَطْن " انتهى . وقولُه : " وهي مبالَغَةٌ " يناقِضُ قولَه أولاً " للتعدية " ؛ لأن التشديدَ للمبالغة لا يُكْسِبُ الفعلَ مفعولاً آخر ، تقول : " ذَبَحْتُ الغنم " مخففاً ، ثم تبالِغُ فتقول : " ذَبَّحْتها " مثقلاً ، وهذا على رأيِه قد جَعَله متعدياً بنفسِه بدليلِ جَعْلِه الباءِ مزيدةً فلا يكون للمبالغة .