الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{فَوَسَطۡنَ بِهِۦ جَمۡعًا} (5)

{ جَمْعاً } من جموع الأعداء . ووسطه بمعنى توسطه . وقيل : الضمير لمكان الغارة . وقيل : للعدوّ الذي دلّ عليه { والعاديات } ويجوز أن يراد بالنقع : الصياح ، من قوله عليه الصلاة والسلام : " ما لم يكن نقع ولا لقلقة " ، وقول لبيد :

فَمَتَى يَنْقَعْ صُراخٌ صَادِق ***

أي : فهيجن في المغاز عليهم صياحاً وجلبة . وقرأ أبو حيوة : «فأثرن » بالتشديد ، بمعنى : فأظهرن به غباراً ؛ لأنّ التأثير فيه معنى الإظهار . أو قلب ثورّن إلى وثرن ، وقلب الواو همزة ، وقرىء : «فوسطن » بالتشديد للتعدية . والباء مزيدة للتوكيد ، كقوله : { وَأُتُواْ بِهِ } [ البقرة : 25 ] وهي مبالغة في وسطن . وعن ابن عباس : كنت جالساً في الحجر فجاء رجل فسألني عن { والعاديات ضَبْحاً ( 1 ) } ففسرتها بالخيل ، فذهب إلى عليّ وهو تحت سقاية زمزم ، فسأله وذكر له ما قلت : فقال : ادعه لي ، فلما وقفت على رأسه قال : تفتي الناس بما لا علم لك به ، والله إن كانت لأوّل غزوة في الإسلام بدر ، وما كان معنا إلاّ فرسان : فرس الزبير وفرس للمقداد . { العاديات ضَبْحاً ( 1 ) } الإبل من عرفة إلى المزدلفة ، ومن المزدلفة إلى منى ؛ فإن صحّت الرواية فقد استعير الضبح للإبل ، كما استعير المشافر والحافر للإنسان ، والشفتان للمهر ، والثغر للثورة وما أشبه ذلك . وقيل : الضبح لا يكون إلاّ للفرس والكلب والثعلب . وقيل : الضبح بمعنى الضبع ، يقال : ضبحت الإبل وضبعت : إذا مدّت أضباعها في السير ، وليس بثبت . وجمع : هو المزدلفة .

فإن قلت : علام عطف ( فأثرن ) ؟ قلت : على الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه ؛ لأنّ المعنى : واللاتي عدون فأورين ، فأغرن ، فأثرن .