لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{فَوَسَطۡنَ بِهِۦ جَمۡعًا} (5)

{ فوسطن به جمعاً } أي وسطن بالنقع جمعاً ، وهو مزدلفة ، فوجه القسم على هذا أن الله تعالى أقسم بالإبل لما فيها من المنافع الكثيرة ، وتعريضه بإبل الحج للتّرغيب ، وفيه تقريع لمن لم يحج بعد القدرة عليه ، فإن الكنود هو الكفور ، ومن لم يحج بعد الوجوب موصوف بذلك القول الثاني في تفسير ( والعاديات ) ، قال ابن عباس وجماعة : هي الخيل العادية في سبيل الله ، والضبح صوت أجوافها إذا غدت . قال ابن عباس : وليس شيء من الحيوانات يضبح سوى الفرس ، والكلب ، والثعلب ، وإنما تضبح هذه الحيوانات إذا تغير حالها من فزع أو تعب ، وهو من قول العرب : ضبحته النّار إذا غيرت لونه ، { فالموريات قدحاً }[ العاديات : 2 ] يعني أنها توري النّار بحوافرها إذا سارت في الحجارة ، وقيل : هي الخيل تهيج الحرب ونار العداوة بين فرسانها . وقال ابن عباس : هي الخيل تغزو في سبيل الله ، ثم تأوي باللّيل فيوري أصحابها ناراً ، ويصنعون طعامهم ، وقيل : هو مكر الرّجال في الحرب ، والعرب تقول إذا أراد الرجل أن يمكر بصاحبه : أما والله لأقدحن لك ثم لأورين لك ، { فالمغيرات صبحاً }[ العاديات : 3 ] يعني الخيل تغير بفرسانها على العدو عند الصّباح ؛ لأن النّاس في غفلة في ذلك الوقت عن الاستعداد ، { فأثرن به }[ العاديات : 4 ] أي بالمكان . { نقعاً }[ العاديات : 4 ] أي غباراً . { فوسطن به جمعاً } أي دخلن به ، أي بذلك النّقع ، وهو الغبار . وقيل : صرن بعدوهن وسط جمع العدو ، وهم الكتيبة ، وهذا القول في تفسير هذه الآيات أولى بالصّحة ، وأشبه بالمعنى ؛ لأن الضبح من صفة الخيل ، وكذا إيراء النار بحوافرها ، وإثارة الغبار أيضاً ، وإنما أقسم الله بخيل الغزاة لما فيها من المنافع الدينية ، والدنيوية ، والأجر ، والغنيمة ، وتنبيهاً على فضلها ، وفضل رباطها في سبيل الله عزّ وجلّ ، ولما ذكر الله تعالى المقسم به ذكر المقسم عليه .