المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (190)

190- إن في خلق الله للسماوات والأرض مع ما فيهما من إبداع وإحكام ، واختلاف الليل والنهار نوراً وظلمة وطولاً وقصراً لدلائل بينات لأصحاب العقول المدركة على وحدانية الله وقدرته{[37]} .


[37]:{إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} في هذا النص تنبيه إلى حقائق كونية تدل على عظمة الخالق، ذلك أن السماء هي آية من آيات الله بدت لنا بتأثير الأشعة الشمسية على الغلاف الجوي الذي يحيط بالأرض، فعندما تسقط هذه الأشعة على ذرات العناصر الكيماوية التي يتألف منها الجو وعلى ما يحمله هذا الجو من أتربة دقيقة عالقة به منعكسة من هذه الذرات وتلك الأتربة تتشتت في جهات مختلفة، ومن المعلوم أن الضوء الأبيض يتألف من جميع الألوان المرئية، وأن هذه الذرات تمتص بعض الألوان من بعضها الآخر. وقد اتضح من تجارب واعتبارات خاصة بطاقته، أن اللون الأكثر تشتتا هو اللون الأزرق، ويتجلى هذا بصورة أوضح عندما تكون الشمس في سمت الرأس، وتتناقص زرقة هذا اللون شيئا فشيئا حتى إذا بلغت الشمس الأفق أي وقت الغروب أو الشروق. فإن إشعاعها يخترق جو الأرض في مسافات أطول بكثير. ولهذا فإن اللون الأحمر يظهر تشتته أكثر من غيره. وصفوة القول: إن ضوء النهار يتطلب الإشعاع الشمسي وكمية متناسبة من الغبار الجوي، والدليل على ذلك ما حدث في سنة 1944 حيث أظلمت السماء فجأة في وضح النهار. ولشدة ظلمتها صار النهار كأنه الليل. وظل الأمر كذلك زمنا وجيزا، ثم تحولت السماء إلى لون أحمر ثم تدرج إلى لون برتقالي فأصفر، حتى عادت السماء إلى حالتها الطبيعية بعد حوالي ساعة أو أكثر. وقد تبين فيما بعد أن هذه الظاهرة نشأت من تفتت كوكب في السماء فاستحال إلى رماد وحملته الرياح إلى مسافات بعيدة من أواسط إفريقية إلى شمالها وتجاوزت إلى غربي آسيا حيث شوهدت هذه الظاهرة في إقليم سوريا. وتفسير ذلك أن الغبار المعلق في الهواء قد حجب نور الشمس، فلما قلت كثافته أخذ الضوء في الاحمرار والاصفرار ...الخ ولو ارتفع الإنسان في الفضاء فإنه سوف يمر بطبقات جوية تختلف خصائصها ومميزاتها بعضها عن بعض. فهو يشاهد السماء تأخذ في الزرقة الشديدة شيئا فشيئا حتى إذا ما بلغ عتبة الفضاء الخارجي الخالية من المواد التي يتألف منها الغلاف الجوي والأتربة العالقة به بدت له السماء معتمة كأنها ليل على الرغم من وجود الشمس فوق الأفق، والخلاصة أن هناك سماوات متطابقة في هيئة قباب تختلف في خصائصها وألوانها وتمتد إلى أقصى أعماق الفضاء وهذا مظهر من مظاهر قدرة الله ـ سبحانه وتعالى ـ التي تتجلى في خلقه كل ما في السماوات والأرض. وضوء النار يتطلب سقوط الشمسية على ذرات من الغلاف الجوي الذي يحمل جسيمات من الغبار بكميات متفاوتة، وضوء النهار يبلغ من الشدة حدا بحيث يحجب الأضواء الخافتة المنبعثة من النجوم أو من احتكاك الشهب والنيازك بالغلاف الجوي. وعندما تختفي أشعة الشمس تحت الأفق بمسافات بعيد فإن أضواء النجوم الخافتة تظهر لبعدها الشاسع عنا قليلة التأثير على الغلاف الجوي بحيث لا تحدث نورا يشبه نور النهار. وينشأ تعاقب الليل والنهار من دوران الأرض حول محورها. ومرجع التفاوت الزمني بين الليل والنهار هو دورة الأرض حول الشمس وميل محورها عن مستوى مدارها فتختلف الفترات الزمنية باختلاف الفصول وعروض البلاد. ومن حكمته ـ جلت قدرته ـ أن التعاقب بين الليل والنهار وتراوحهما على فترات قصيرة يؤدي إلى اعتدال في درجة الحرارة والمناخ ويهيئ البيئة الصالحة للحياة والإحياء، ولهذا فإن اللون الأحمر يظهر بسبب التشعب الناجم عن الغبار الحجمي.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (190)

{ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ }

يخبر تعالى : { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب } وفي ضمن ذلك حث العباد على التفكر فيها ، والتبصر بآياتها ، وتدبر خلقها ، وأبهم قوله : { آيات } ولم يقل : " على المطلب الفلاني " إشارة لكثرتها وعمومها ، وذلك لأن فيها من الآيات العجيبة ما يبهر الناظرين ، ويقنع المتفكرين ، ويجذب أفئدة الصادقين ، وينبه العقول النيرة على جميع المطالب الإلهية ، فأما تفصيل ما اشتملت عليه ، فلا يمكن لمخلوق أن يحصره ، ويحيط ببعضه ، وفي الجملة فما فيها من العظمة والسعة ، وانتظام السير والحركة ، يدل على عظمة خالقها ، وعظمة سلطانه وشمول قدرته . وما فيها من الإحكام والإتقان ، وبديع الصنع ، ولطائف الفعل ، يدل على حكمة الله ووضعه الأشياء مواضعها ، وسعة علمه . وما فيها من المنافع للخلق ، يدل على سعة رحمة الله ، وعموم فضله ، وشمول بره ، ووجوب شكره .

وكل ذلك يدل على تعلق القلب بخالقها ومبدعها ، وبذل الجهد في مرضاته ، وأن لا يشرك به سواه ، ممن لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء .

وخص الله بالآيات أولي الألباب ، وهم أهل العقول ؛ لأنهم هم المنتفعون بها ، الناظرون إليها بعقولهم لا بأبصارهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (190)

وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ هذه الآيات العشر من آخر آل عمران إذا قام من الليل لتهجده فقد روى البخارى - رحمه الله – عن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال : بت عند خالتى ميمونة ، فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد : فلما كان ثلث الليل الآخر قعد فنظر إلى السماء فقال : { إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض } . . . الآيات .

ثم قام فتوضأ واستن ، ثم صلى إحدى عشرة ركعة ، ثم أذن بلال فصلى ركعتين ثم خرج فصلى بالناس الصبح .

وروى مسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة بعد ما مضى شطر من الليل فنظر إلى السماء وتلا هذه الآية { إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض } إلى آخر السورة .

ثم قال : " اللهم اجعل فى قلبى نوراً ، وفى سمعى نوراً ، وفى بصرى نوراً ، وعن يمينى نوراً ، وعن شمالى نوراً ، ومن بين يدى نوراً ، ومن خلفى نوراً ، ومن فوقى نوراً ، ومن تحتى نوراً . وأعظم لى نوراً يوم القيامة " .

وروى ابن مردويه عن عطاء قال : " انطلقت أنا وابن عمر وعبيد بن عمير إلى عائشة - رضى الله عنها - فدخلنا عليها وبيننا وبينها حجاب فقال لها ابن عمر : أخبرينا بأعجب ما رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فبكت وقالت : كل أمره كان عجبا ! ! أتانى فى ليلتى حتى مسَّ جلده جلدى ثم قال : يا عائشة : ذرينى أتعبد لربى - عز وجل - قالت : فقلت والله أنى لأحب قربك وإنى أحب أن تعبد ربك .

فقام إلى القربة فتوضأ ولم يكثر صب الماء ، ثم قام يصلى فبكى حتى بل لحيته ، ثم سجد فبكى حتى بل الأرض ، ثم اضطجع على جنبه فبكى . ثم إذا أتى بلال يؤذنه بصلاة الصبح قالت : فقال : يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال : ويحك يا بلال ! ! وما يمنعنى أن أبكى وقد أنزل الله على هذه الليلة : { إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض } إلخ الآيات .

ثم قال : ويل لمن يقرأها ولم يتفكر فيها " .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (190)

{ إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب } لدلائل واضحة على وجود الصانع ووحدته وكمال علمه وقدرته لذوي العقول المجلوة الخالصة عن شوائب الحس والوهم كما سبق في سورة البقرة ، ولعل الاقتصار على هذه الثلاثة في هذه الآية لأن مناط الاستدلال هو التغير ، وهذه متعرضة لجملة أنواعه فإنه إما أن يكون في ذات الشيء كتغير الليل والنهار ، أو جزئه كتغير العناصر بتبدل صورها أو الخارج عنه كتغير الأفلاك بتبدل أوضاعها . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها " .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (190)

هذا غرض أُنف بالنسبة لما تتابع من أغراض السورة ، انتُقل به من المقدّمات والمقصد والمتخلِّلات بالمناسبات ، إلى غرض جديد هو الاعتبار بخلق العوالم وأعراضها والتنويه بالذين يعتبرون بما فيها من آيات .

ومِثْل هذا الانتقال يكون إيذاناً بانتهاء الكلام على أغراض السورة ، على تفنّنها ، فقد كان التنقّل فيها من الغرض إلى مشاكله وقد وقع الانتقال الآن إلى غرض عامّ : وهو الاعتبار بخلق السماوات والأرض وحال المؤمنين في الاتّعاظ بذلك ، وهذا النحو في الانتقال يعرض للخطيب ونحوه من أغراضه عقب إيفائها حقّها إلى غرض آخر إيذاناً بأنّه أشرف على الانتهاء ، وشأن القرآن أن يختم بالموعظة لأنّها أهمّ أغراض الرسالة ، كما وقع في ختام سورة البقرة .

وحرف ( إنّ ) للاهتمام بالخبر .

والمراد ب { خلْق السماوات والأرض } هنا : إمّا آثار خَلْقِها ، وهو النظام الذي جعل فيها ، وإمّا أن يراد بالخلق المخلوقات كقوله تعالى : { هذا خلق اللَّه } [ لقمان : 11 ] . و { أولو الألباب } أهل العقول الكاملة لأنّ لبّ الشيء هو خلاصته . وقد قدّمنا في سورة البقرة بيان ما في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار من الآيات عند قوله تعالى : { إن في خلق السموات والأرض واختلاف اللَّيل والنهار والفلك } [ البقرة : 164 ] إلخ .