المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذَا كَالُوهُمۡ أَو وَّزَنُوهُمۡ يُخۡسِرُونَ} (3)

1 - هلاك للمطففين . الذين إذا أخذوا لأنفسهم الكيل من الناس يأخذونه وافيا زائدا ، وإذا كالوا للناس أو وزنوا لهم ينقصونهم حقهم الواجب لهم اعتداء عليهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذَا كَالُوهُمۡ أَو وَّزَنُوهُمۡ يُخۡسِرُونَ} (3)

{ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ } أي : إذا أعطوا الناس حقهم ، الذي للناس{[1375]}  عليهم بكيل أو وزن ، { يُخْسِرُونَ } أي : ينقصونهم ذلك ، إما بمكيال وميزان ناقصين ، أو بعدم ملء المكيال والميزان ، أو نحو ذلك . فهذا سرقة [ لأموال ] الناس{[1376]} ، وعدم إنصاف [ لهم ] منهم .

وإذا كان هذا الوعيد  على الذين يبخسون الناس بالمكيال والميزان ، فالذي يأخذ أموالهم قهرًا أو سرقة ، أولى بهذا الوعيد{[1377]} من المطففين .

ودلت الآية الكريمة ، على أن الإنسان كما يأخذ من الناس الذي له ، يجب عليه أن يعطيهم كل ما لهم من الأموال والمعاملات ، بل يدخل في [ عموم هذا ]{[1378]}  الحجج والمقالات ، فإنه كما أن المتناظرين قد جرت العادة أن كل واحد [ منهما ] يحرص على ماله من الحجج ، فيجب عليه أيضًا أن يبين ما لخصمه من الحجج{[1379]} [ التي لا يعلمها ] ، وأن ينظر في أدلة خصمه كما ينظر في أدلته هو ، وفي هذا الموضع يعرف إنصاف الإنسان من تعصبه واعتسافه ، وتواضعه من كبره ، وعقله من سفهه ، نسأل الله التوفيق لكل خير .

ثم توعد تعالى المطففين ، وتعجب من حالهم وإقامتهم على ما هم عليه ، فقال :


[1375]:- في ب: لهم.
[1376]:- كذا في ب، وفي أ: سرقة للناس.
[1377]:- في ب: وعيدًا.
[1378]:- في ب: يدخل في ذلك.
[1379]:- في ب: الحجة.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا كَالُوهُمۡ أَو وَّزَنُوهُمۡ يُخۡسِرُونَ} (3)

وقال - سبحانه - { إِذَا اكتالوا عَلَى الناس } ولم يقل : من الناس . للإِشارة إلى ما فى عملهم المنكر من الاستيلاء والقهر والظلم .

وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله : لما كان اكتيالهم من الناس اكتيالا يضرهم ، ويتحامل فيه عليهم ، أبدل " على " مكان " من " للدلالة على ذلك .

ويجوز أن يتعلق " على " بيستوفون ، ويقدم المفعول على الفعل لإِفادة الخصوصية . أى : يستوفون على الناس خاصة ، فأما أنفسهم فيستوفون لها .

وقال الفراء : " من " و " على " يعتقبان فى هذا الموضوع ، لأنه حق عليه ، فإذا قال : اكتلت عليك ، فكأنه قال : أخذت ما عليك ، وإذا قال : اكتلت منك ، فكقوله : استوفيت منك .

والتعبير بقوله : { يستوفون } و { يخسرون } يدل على حرصهم الشديد فيما يتعلق بحقوقهم ، وإهمالهم الشنيع لحقوق غيرهم ، إذ استيفاء الشئ ، أخذه وافيا تاما ، فالسين والتاء فيه للمبالغة .

وأما { يخسرون } فمعناه إيقاع الخسارة على الغير فى حالتى الكيل والوزن وما يشبههما

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا كَالُوهُمۡ أَو وَّزَنُوهُمۡ يُخۡسِرُونَ} (3)

وإذا كالوهم أو وزنوهم أي إذا كالوا الناس أو وزنوا لهم يخسرون فحذف الجار وأوصل الفعل كقوله ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا بمعنى جنيت لك أو كالوا مكيلهم فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ولا يحسن جعل المنفصل تأكيدا للمتصل فإنه يخرج الكلام عن مقابلة ما قبله إذ المقصود بيان اختلاف حالهم في الأخذ والدفع لا في المباشرة وعدمها ويستدعي إثبات الألف بعد الواو كما هو خط المصحف في نظائره .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذَا كَالُوهُمۡ أَو وَّزَنُوهُمۡ يُخۡسِرُونَ} (3)

و { كالوهم } معناه : قبضوهم ، يقال : كلت منك واكتلت عليك ، ويقال : وكلت لك فلما حذفت اللام تعدى الفعل ، قال الفراء والأخفش .

وأنشد أبو زيد : [ الكامل ]

ولقد جنتك أكمؤاً وعساقلاً*** ولقد نهيتك عن بنات الأوبر{[11674]}

وعلى هذا المعنى هي قراءة الجمهور ، وكان عيسى بن عمر يجعلها حرفين{[11675]} ويقف على «كالوا » و «وزنوا » بمعنى : هم يخسرون إذا كالوا ووزنوا . ورويت عن حمزة{[11676]} ، فقوله : «هم » تأكيد للضمير ، وظاهر هذه الآية يقتضي أن الكيل والوزن على البائع وليس ذلك بالجلي ، وصدر الآية هو في المشترين ، فذمهم بأنهم { يستوفون } ويشاحون في ذلك ، إذ لا تمكنهم الزيادة على الاستيفاء لأن البائع يحفظ نفسه ، فهذا مبلغ قدرتهم في ترك الفضيلة والسماحة المندوب إليها ، ثم ذكر أنه إذا باعوا أمكنهم من الظلم والتطفيف أن يخسروا لأنهم يتولون الكيل للمشتري منهم وذلك بحالة من يخسر البائع إن قدر ، و { يخسرون } معدى بالهمزة يقال : خسر الرجل وأخسره غيره ، والمفعول ل { كالوهم } محذوف


[11674]:هذا البيت مجهول القائل، وهو في اللسان، وابن عقيل، والمغني لابن هشام، وهو من شواهد النحويين، وكذلك استشهد به من المفسرين الزمخشري في الكشاف، والأكمؤ: جمع كمء، وهو فطر من الفصيلة الكمئية، وهي أرضية تنتفخ حاملات أبواغها فتنجي وتؤكل مطبوخة، وهي مختلفة الأحجام والأنواع، والعساقل: نوع من الكمأة أبيض اللون، والمفرد عسقول، وهو جزء من جذر يكون في الأرض مكتنزا منتفخا محتويا على مواد غذائية كالبطاطس "وابن أوبر" أيضا علم على نوع رديء من الكمأة، ثم جمع على "بنات أوبر" كما يقال في جمع ابن عرس: "بنات عرس" ولا يقال " بنو عرس" لأنه لما لا يعقل. والبيت شاهد على أنه يجوز حذف اللام ويتعدى الفعل بنفسه، ومثله قوله تعالى: (والقمر قدرناه منازل)، أي قدرناله، ويقال: وهبتك دنيارا وصدتك ظبيا، أي: وهبت لك، وصدت لك.
[11675]:أي كلمتين.
[11676]:والذي روى ذلك هو أبو عبيدة ، ولكنه قال: والاختيار أن يكونا كلمة واحدة من جهتين: إحداهما: الخط، وذلك أنهم كتبوهما بغير ألف، ولو كانتا مقطوعتين لكتبتا: (كالوا) و (وزنوا) بالألف في الآخر، والأخرى أنه يقال: كلتك ووزنتك بمعنى: كلت لك ووزنت لك.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِذَا كَالُوهُمۡ أَو وَّزَنُوهُمۡ يُخۡسِرُونَ} (3)

فالواوان من { كالوهم أو وزنوهم } عائدان إلى اسم الموصول والضميران المنفصلان عائدان إلى الناس .

وتعدية « كالوا » ، و« وزنوا » إلى الضميرين على حذف لام الجر . وأصله كَالُوا لهم ووزنوا لهم ، كما حذفت اللام في قوله تعالى في سورة البقرة ( 233 ) { وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم } أي تسترضعوا لأولادكم ، وقولهم في المثل الحريصُ يصيدك لا الجوادُ أي الحريص يصيد لك . وهو حذف كثير مثل قولهم : نصحتك وشكرتك ، أصلهما نصحت لك وشكرت لك ، لأن فعل كال وفعل وزن لا يتعديان بأنفسهما إلا إلى الشيء المكيل أو الموزون يقال : كال له طعاماً ووزن له فضة ، ولكثرة دورانه على اللسان خففوه فقالوا : كاله ووزنه طعاماً على الحذف والإِيصال .

قال الفراء : هو من كلام أهل الحجاز ومن جاورهم من قيس يقولون : يكيلنا ، يعني ويقولون أيضاً : كالَ له ووزن له . وهو يريد أن غير أهل الحجاز وقيس لا يقولون : كال له ووزن له ، ولا يقولون إلاّ : كاله ووزنه ، فيكون فعل كال عندهم مثل باع .

والاقتصار على قوله : { إذا اكتالوا } دون أن يقول : وإذا اتَّزنوا كما قال : { وإذا كالوهم أو وزنوهم } اكتفاء بذكر الوزن في الثاني تجنباً لفعل : « اتزنوا » لقلة دورانه في الكلام فكان فيه شيء من الثقل . ولنكتة أخرى وهي أن المطففين هم أهل التجر وهم يأخذون السلع من الجالبين في الغالب بالكيل لأن الجالبين يجلبون التمر والحنطة ونحوهما مما يكال ويدفعون لهم الأثمان عيناً بما يوزن من ذهب أو فضة مسكوكين أو غيرَ مسكوكين ، فلذلك اقتُصر في ابتياعهم من الجالبين على الاكتيال نظراً إلى الغالب ، وذكر في بيعهم للمبتاعين الكيل والوزن لأنهم يبيعون الأشياء كيلاً ويقبضون الأثمان وزناً . وفي هذا إشارة إلى أن التطفيف من عمل تجارهم .

و { يستوفون } جواب { إذا } والاستيفاء أخذ الشيء وافياً ، فالسين والتاء فيه للمبالغة في الفعل مثل : استجاب .

ومعنى { يخسرون } يوقعون الذين كالوا لهم أو وزنوا لهم في الخسارة ، والخسارة النقص من المال من التبايع .

وهذه الآية تحذير للمسلمين من التساهل في التطفيف إذ وجوده فاشياً في المدينة في أول هجرتهم وذم للمشركين من أهل المدينة وأهل مكة .

وحسبهم أن التطفيف يجمع ظلماً واختلاساً ولؤماً ، والعرب كانوا يتعيرون بكل واحد من هذه الخلال متفرّقة ويتبرؤون منها ، ثم يأتونها مجتمعة ، وناهيك بذلك أفناً .