قوله تعالى : { وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ } . رُسمتَا في المصحف بغير ألف بعد الواو في الفعلين ، فمن ثم اختلف الناس في«هم » على وجهين .
أحدهما : هو ضمير نصب فيكون مفعولاً به ، ويعود على الناس ، أي : وإذا كالوا الناس أو وزنوا الناس ، وعلى هذا فالأصل في هذين الفعلين التعدي لاثنين : لأحدهما بنفسه بلا خلاف وللآخر بحرف الجر ، ويجوز حذفه .
وهل كل منهما أصل بنفسه ، أو أحدهما أصل للآخر ؟ فيه خلاف ، والتقدير : وإذا كالوا لهم طعاماً ، أو وزنوه لهم ، فحذف الحرف والمفعول ؛ وأنشد : [ الطويل ]
5127- ولقَدْ جَنيتُكَ أكَمُؤاً وعَساقِلاً *** ولقَدْ نَهيتُكَ عَن بَناتِ الأوبَرِ{[59557]}
والثاني : أنَّه ضمير رفع مؤكد للواو ، والضمير عائد على «المطففين » ، ويكون على هذا قد حذف المكيل والمكيل له ، والموزون والموزون له .
إلا أن الزمخشري رد هذا فقال{[59558]} : «ولا يصح أن يكون ضميراً مرفوعاً «للمطففين » ، لأن الكلام يخرج به إلى نظم فاسد ، وذلك أن المعنى : إذا أخذوا من الناس ، ، استوفوا ، وإذا أعطوهم أخسروا ، وإن جعلت الضمير «للمطففين » انقلب إلى قولك : إذا أخذوا من الناس استوفوا ، وإن تولوا الكيل ، أو الوزن هم على الخصوص أخسروا ، وهو كلام متنافر ؛ لأن الحديث واقع في الفعل لا في المباشر » .
قال أبو حيان{[59559]} : ولا تنافر فيه بوجه ، ولا رق بين أن يؤكد الضمير ، وألاَّ يؤكد ، والحديث واقع في الفعل ، غاية ما في هذا أن متعلِّق الاستيفاء ، وهو «على الناس » مذكور ، وهو في «كالوهم أو وزنوهم » محذوف للعلم به ؛ لأنَّه من المعلوم أنهم لا يخسرُون ذلك لأنفسهم .
قال شهابُ الدين{[59560]} : الزمخشري يريد أن يحافظ على أنَّ المعنى مرتبط بشيئين : إذا أخذوا من غيرهم ، وإذا أعطوا غيرهم ، وهذا إنَّما فهم على تقدير أن يكون الضمير منصوباً عائداً على الناس ، لا على كونه ضمير رفع عائداً على الناس ، لا على كونه رفع عائداً على «المطففين » ، ولا شك أن هذا المعنى الذي ذكره الزمخشري وأراده أتم وأحسن من المعنى الثاني ، ورجَّح الأول سقوط الألف بعد الواو ؛ لأنه دال على اتصال الضمير .
إلاَّ أن الزمخشري استدرك فقال{[59561]} : «والتعلق في إبطاله بخط المصحف ، وأن الألف التي تكتب بعد واو الجمع غير ثابتة فيه ركيك ؛ لأن خط المصحف لم يراع في كثير منه حد المصطلح عليه في علم الخط على أني رأيت في الكتب المخطوطة بأيدي الأئمة المتقنين هذه الألف مرفوضة ، لكونها غير ثابتة في اللفظ والمعنى جميعاً ؛ لأن الواو وحدها معطية معنى الجمع ، وإنما كتبت هذه الألف تفرقة بين واو الجمع وغيرها في نحو قولك : «هم لم يدعوا ، وهو يدعو » ، فمن لم يثبتها قال : المعنى كافٍ في التفرقة بينهما ، وعن عيسى بن عمر وحمزة أنهما كانا يرتكبان ذلك ، أي : يجعلان الضميرين «للمطففين » ، ويقفان عند الواوين وقيفة ، يبينان بها ما أرادوا » . ولم يذكر فعل الوزن أوَّلاً ، بل اقتصر على الكيل ، فقال : «إذا اكتالوا » ، ولم يقل : إذا اتزنوا ، كما قال ثانياً : «أوْ وزَنُوهُمْ » .
قال ابن الخطيب{[59562]} : لأن الكيل والوزن بهما البيع والشراء ، فأحدهما يدل على الآخر .
وقال الزمخشري{[59563]} : «كأنَّ المطففين كانوا لا يؤخذون ما يكال ويوزن إلا بالمكاييل دون الموازين ، لتمكنهم من البخس في النوعين جميعاً » .
قوله : «يُخْسِرُونَ » جوابُ «إذا » ، وهو يتعدَّى بالهمزة ، يقال : خسر الرجل وأخسرته أنا ، فمفعوله محذوف ، أي : يخسرون الناس متاعهم . قال المؤرج : يخسرون أي ينقصون بلغة «قريش » .
قال الزجاج : المعنى : إذا اكتالوا من الناس استوفوا عليهم الكيل والوزن .
أي : إذا استوفوا لأنفسهم استوفوا في الكيل والوزن ، «وإذَا كَالُوهُمْ أو وزَنُوهُمْ » أي : كالوا لهم ، أو وزنوا لهم ، أي : للناس ، ولمَّا كان اكتيالهم من الناس اكتيالاً فيه إضرارٌ بهم ، وتحاملٌ عليهم أقيمَ «على » مقام «من » للدلالة على ذلك .
وقال الكسائيُّ والفراءُ : حذف الجار وأوصل الفعل ، وهذا من كلام أهل الحجاز ، ومن جاورهم ، يقال : وزنتك حقك ، وكلتك طعامك أي : وزنت لك ، وكلتُ لك ، كما يقال : نصحتك ، ونصحت لك ، وكسيتك ، وكسيت لك .
وقال الفراء : المراد اكتالوا من الناس ، و «على » و «من » يتعاقبان ؛ لأنه حق عليه فإذا فلت : اكتلت عليك ، فكأنه قال : أخذت ما عليك ، وإذا قلت : اكتلت منك فهو كقولك : استوفيت منك .
وقيل : على حذف مضاف ، أي : إذا كالوا مكيلهم ، أو وزنوا لهم موزونهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.